الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رحمهم الله.
محل الخلاف:
ينحصر محل الخلاف بين المجيزين والمانعين في حال المشارطة، أما لو أعطاه بدون سبق مشارطة فإن المانعين يجيزون له أكل ذلك الكسب ولا يحرمونه (1).
الأدلة:
(1) دليل القول الأول:
اشتمل القول الأول على أمرين: صحة الإجارة، وكراهة أكل ثمنها للحر. فأما صحة الإجارة فقد احتجوا له بدليل السنة والعقل:
أ- دليلهم من السنة:
حديث عبد الله بن عباس -رضي. الله عنهما- أنه قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره"(2).
حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: "حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه"(3).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجرته، فلو كانت الإجارة على فعل
(1) المصدر السابق.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 4/ 272، ومسلم 3/ 35.
الحجامة محرمة لما فعلها، ولما أعطى الحجام تلك الأجرة، ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بعد روايته الحديث:"ولو كان سحتًا لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم "(1).
ب- دليلهم من العقل:
استدلوا بالعقل من أربعة أوجه وهي:
الوجه الأول:
تجوز الإجارة على الحجامة كما تجوز على الختان والفصد بجامع كون كل منهما منفعة مباحة (2).
الوجه الثاني:
تجوز الإجارة على الحجامة كما تجوز على الخياطة والبناء بجامع كون كل منهما منفعة مباحة (3).
الوجه الثالث:
تجوز الإجارة على الحجامة كما تجوز على الرضاع بجامع وجود الحاجة إلى فعل كل (4).
الوجه الرابع:
أن الحاجة داعية إلى فعل الحجامة والتداوي بها، وليس كل
(1) صحيح مسلم 3/ 35، وأشار إلى هذا الوجه من الاستدلال الإمام ابن رشد- الجد والإمام ابن قدامة رحمهما الله. التبيان والتحصيل لابن رشد 8/ 446، والمغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 122.
(2)
المبدع لابن مفلح 5/ 92، الإقناع للحجاوي 2/ 302، ومنتهى الإرادات للفتوحي 1/ 486.
(3)
المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 122.
(4)
المصدر السابق.
إنسان يبذلها بدون مقابل، ففي منع الإجارة عليها حرج (1).
وأما كراهة أكل الحر لأجرة الحجامة، فقد استدلوا لها بالسنة والعقل أيضًا:
أ- دليلهم من السنة:
حديث مُحَيّصَةَ بن مسعود رضي الله عنه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها، ولم يزل يسأله، ويستأذنه حتى قال:"أعلِفْهُ نَاضحَك، أو أطعمه رقيقك"(2).
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإطعامه الرقيق، والرقيق آدمي كالحر يمنع ما يمنع منه الحر، فكونه يبيح له إطعامه الرقيق فيه دليل على حل أكل أجرة الحجامة وكسبها، والأمر بإطعام ذلك الكسب للرقيق فيه دليل على كراهة أكل الحر له (3).
ب- دليلهم من العقل:
يكره للحر أكل أجرة الحجامة والتكسب بها، كما يكره له الكسح بجامع دناءة الحرفة في كل (4).
(1) أشار إلى هذا الوجه من النظر الشيخ منصور البهوتي في شرحه لمنتهى الإرادات بقوله: "
…
ولدعاء الحاجة إليه" يعني إلى فعل الحجامة. شرح منتهى الإرادات 2/ 367.
(2)
رواه أبو داود في سننه 3/ 362، والترمذي في سننه أيضًا 4/ 566، وقال حديث حسن صحيح، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه فتح الباري عن حديث محيصة هذا:"رجاله ثقات" أهـ. فتح الباري لابن حجر 4/ 309.
(3)
البيان والتحصيل لابن رشد 8/ 446، والمغني والشرح الكبير لابن قدامة 11/ 122، المبدع لابن مفلح 5/ 92.
(4)
المغني والشرح الكبير لابن قدامة 22/ 123. والمراد بالكسح: الكنس، والكساحة الكناسة، المصباح المنير للفيومي 2/ 533.