الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في (الاستئصال)
وهذا النوع من المهمة الجراحية يقوم فيه الطبيب الجراح باجتثاث الداء، وانتزاعه من جذوره (1)، وغالبًا ما يجري لعلاج الأورام والغدد الملتهبة والتي أصبحت تهدد الجسم بضررها.
ومهمة الاستئصال مشروعة من حيث الجملة لمكان الحاجة الداعية إلى فعلها والتي قد تصل في بعض الحالات إلى مرتبة الضروريات كما في حالة استئصال الأورام الخبيثة (السرطانات) والتي يقصد منها إنقاذ المصاب من الموت.
فيشرع فعل الاستئصال قياسًا على القطع المشروع بجامع وجود الحاجة الداعية إلى فعل كل منهما.
والجزء المستأصل من الجسم إنما يلجأ لاستئصاله من أجل التلف إما بسبب الورم كما في حالة إصابة العضو بالسرطان، وإما بسبب التهابه وتضخمه كما في حال التهاب الغدد واللوزتين، وبيان حكم الأعضاء المستأصلة في هذه الحالات المشهورة يتضح فيما يلي:
(1)
حكم استئصال الأورام:
يعرف الأطباء الورم بأنه "كتلة من الأنسجة ناتجة عن نمو غير
(1) المصباح الوضاح في صناعة الجراح. د. جورج بوست 124.
طبيعي للخلايا" (1) فهي زيادات تحدث في جسم المصاب بسبب آفة أو علة تصيب الخلايا (2).
وتنقسم الأورام عندهم إلى القسمين التاليين:
القسم الأول: أورام حميدة:
وتمتاز ببطء نموها، وبأنها محاطة من الخارج بغلاف يحددها تحديدًا واضحًا من الأنسجة المحيطة بها، وخلاياها لا تتسرب إلى الدم أو إلى اللنف.
ويقرر الأطباء أن هذا النوع من الأورام سليم العاقبة في الغالب، وينحصر ضرره في بعض الحالات ومنها أن يضغط على عضو مجاور، أو على عصب الأمر الذي يؤدي إلى ألم أو شلل العضو لضيق مجرى العروق (3).
وبناء على قولهم هذا، فإن الأصل في الأورام الحميدة أنه لا يجوز استئصالها شرعًا إلا بعد وجود الحاجة الداعية إلى ذلك مثل ما تقدم من ضغطها على الأعضاء أو الأعصاب ونحوها من الحالات التي يوجد فيها الضرر الموجب للاستئصال.
إلا أنه يدخل في حكم الحالات الجائزة الأورام الحميدة التي يخشى من تحولها إلى أورام خبيثة سرطانية ومن أمثلة ذلك ما يلي:
(1)
الورم الغدي المعدي.
(1) الموسوعة الطبية العربية. د. البيرم 332.
(2)
الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 6/ 1292.
(3)
المصدرين السابقين، المصباح الوضاح د. جورج بوست 123، 124.
(2)
الورم البنكرياسي المعدي.
(3)
الورم الشغافي المعدي (1).
فنظرًا لمكان الخوف من تحول هذه الأورام إلى أورام سرطانية مميتة، فإنه يشرع استئصالها
…
والله أعلم.
القسم الثاني: أورام خبيثة:
وهي أورام تتميز بسرعة نموها، وانتشارها في الجسم المصاب (2)، وتشتمل على مجموعتين:
المجموعة الأولى: السرطانات.
المجموعة الثانية: السركومات (3).
وهذا النوع من الأورام أشد خطرًا، وأعظم ضررًا، وينتهي بصاحبه إلى الموت، ولا تخلو هذه الأورام من حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون منحصرة في موضع معين، ومن أمثلتها ما يلي:
(1) جراحة البطن. د. اللبابيدي، د. الشامي213 - 215.
(2)
المصباح الوضاح د. جورج بوست 123، 124 الشفاء بالجراحة. د. فاعور 273، الموسوعة الطبية العربية. د. البيرم 332، الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 6/ 1292.
(3)
الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 6/ 1297، السركوما: ورم خبيث مكون من خلايا النسيج الضام، وهو ورم ينمو بسرعة، ويبلغ حجماً كبيرًا، وينتهي بوفاة المريض إذا لم يعالج مبكرًا. الموسوعة الطبية العربية. د. البيرم 181.
(1)
سرطان القولون (1).
(2)
أورام الكبد البدئية الخبيثة (2).
(3)
أورام الثدي الخبيثة (3).
ْ (4) سرطان الخصيتين (4).
(5)
سرطان المستقيم (5).
وفي هذه الحالة يعتبر الاستئصال دواء ناجحًا لشفاء المريض، ونجاته من خطر هذه الأورام -بإذن الله تعالى- فيجوز فعله لمكان الحاجة الداعية إلى ذلك، والتي قد تبلغ إلى مقام الضروريات
…
والله أعلم.
الحالة الثانية: أن تنتشر الأورام في جسم المصاب، وذلك عن طريق الخلايا، وفي هذه الحالة يعتبر الاستئصال لجميع تلك الأورام متعذرًا لتعدد مواضعها، إضافة إلى أن هذه الأورام قد تعود إذا استئصلت من موضعها (6).
وهذه الحالة هي أخطر الحالات، وتنتهي بالمصاب إلى الموت
(1) الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 6/ 1297.
(2)
الشفاء بالجراحة: د. الفاعور 131، 132، وجراحة البطن د. اللبابيدي، د. الشامي 108، 110.
(3)
الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 6/ 1293، 1294.
(4)
الشفاء بالجراحة. د. الفاعور 247 - 249.
(5)
جراحة البطن. د. اللبابيدي، ود. الشامي 358، الشفاء بالجراحة د. الفاعور 88.
(6)
المصباح الوضاح د. جورج بوست 123.
المحقق، ولذلك يصف الأطباء العلاج بالجراحة فيها بكونه ملطفًا أي أنه ليس بعلاج دوائي (1). كما هو الحال في الحالات السابقة.
والذي يظهر أن الاقتصار على العلاج بالدواء في هذه الحالة، وعدم الإقدام على الاستئصال هو المتعين، نظرًا لفقد الفائدة الموجودة من الاستئصال فلا حاجة لتعذيب المرضى وتحميلهم لعبء الجراحة وأخطارها.
ومن أمثلة هذه الحالة ما يلي:
(1)
سرطان البنكرياس في حالاته المتقدمة (2).
(2)
أورام الكبد الثانوية (3).
(3)
سرطان الرئة في حالاته المتقدمة (4).
(4)
سرطان المعدة المنتشر (5).
(5)
سرطان المرارة المستفحل (6).
(1) انظر على سبيل المثال: جراحة البطن. د. اللبابيدي، د. الشامي 211، الشفاء بالجراحة. د. الفاعور 109.
(2)
جراحة البطن. د. اللبابيدي د. الشامي 171.
(3)
يقول الدكتور محمود فاعور عن هذا النوع من أورام الكبد الثانوية: "
…
أما الأورام الثانوية فاستئصالها وعدمه سيان، ونادرًا ما يقوم الجراح باستئصال هذه الأورام لعدم جدوى هذه الخطوة إلا في حالات استثنائية" اهـ. الشافاء بالجراحة. د. الافاعو ر 132.
(4)
المصدر السابق 170، 171.
(5)
جر احة البطن. د. اللبابيدي.، د. الشامي 211.
(6)
يقول الدكتور محمود فاعور عن هذا النوع من السرطان وإمكانية علاجه بالاستئصال جراحيًا: "
…
نتائج العمل الجراحي ليست مشجعة تمامًا ذلك لأن تشخيص هذه الحالات لا يأتي إلا متأخرًا، وبعد أن يكون الداء قد استفحل لذلك نجد أن نسبة الذين يظلون على قيد الحياة مدة خمس سنوات بعد إجراء العملية لا تتعدى خمسة =
(2)
حكم استئصال الغدد الملتهبة:
ومن أمثلتها: غدة البروستاتا (1)، والغدة الشحمية (2)، والغدتان النكفيتان (3).
ونظرًا لأهمية وجود هذه الغدد وقيامها بدورها في جسم الإنسان فإن استئصالها لاشك سيؤثر على الجسم لا محالة، لذلك فإن الأطباء لا يلجئون إلية إلا بعد وجود الحاجة الداعية إليه، وعدم إمكان علاجها بالدواء، بحيث يصبح الاستئصال هو الحل النهائي والأخير (4).
وهذا الأمر متفق مع الشرع، وقيامهم بالاستئصال عند وجود الحاجة يعتبر من قبيل درء المفاسد، ومن ثم فإنه يلغي اعتبار المصالح المترتبة على وجودها، خاصة وأن هذه المصالح ستقل أو تنعدم بالكلية في حال التهاب هذه الغدد، ويصبح وجودها ضررًا محضًا يهدد حياة المريض، فلا حرج في الإقدام على استئصالها للقاعدة الشرعية التي تقول:"الضرر يزال"(5).
= في المائة" اهـ. الشفاء بالجراحة. د. الفاعور 109.
(1)
البروستاتا: "غدة في حجم متوسط تحيط إحاطة تامة بأول القناة البولية بمجرد خروجها من المثانة". الموسوعة الطبية العربية د. البيرم 57.
(2)
الغدة الشحمية: "غدد صغيرة منتشرة في الجلد إفرازها دهني يمر في قنوات صغيرة تصب في بصيلات الشعر في الإنسان". المصدر السابق 253.
(3)
الغدتان النكفيتان: "غدتان من أكبر الغدد اللعابية، وتقع كل واحدة منهما على جانب الوجه تحت الأذن تمامًا وأمامها". الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 5/ 1017.
(4)
الشفاء بالجراحة. د. الفاعور 226، 228، 231، 233، وأمراض الغدد. محمد رفعت 156، الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء 5/ 1009، 1010.
(5)
الأشباة والنظائر للسيوطي ص 83، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85.