الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول مشروعية الإجارة على فعل الجراحة
دلت الأدلة الشرعية على جواز الإجارة على فعل الجراحة الطبية، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره"(1).
فقد دل هذا الحديث الشريف على جواز الإجارة على فعل الحجامة، وهي ضرب من الجراحة الطبية، ولذلك يعتبر أصلاً في جواز الإجارة على الجراحة بمختلف صورها، بل إن الحافظ ابن حجر رحمه الله اعتبره أصلاً في جواز إجارة الطبيب للعلاج عمومًا، فقال رحمه الله في شرحه:"وفيه الإجارة على المعالجة بالطب"(2) اهـ.
وثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقر النفر الذين رقوا سيد الحي لما لُدغ فشُفي بإذن الله تعالى، فأعطوهم قطيعًا من الغنم، فقال عليه الصلاة والسلام:"اقسموا واضربوا لي بسهم معكم"(3) اهـ.
قال الإمام موفق الدين عبد اللطيف البغدادي رحمه الله: "في أخذهم القطيع دليل على جواز أخذ الأجرة على الطب والرقى، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اضربوا لي معكم بسهم" (4) اهـ.
(1) رواه البخاري في صحيحه 2/ 36، ومسلم 3/ 35.
(2)
فتح الباري لابن حجر 4/ 459.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 2/ 36، ومسلم 3/ 19 واللفظ له.
(4)
الطب من الكتاب والسنة للبغدادي ص 191. قلت: وقد ترجم الحافظ أبو داود رحمه الله في سننه لهذا الحديث بقوله: "باب في كسب الأطباء" فاعتبره أصلاً في جواز أخذ الأجرة على المعالجة. سنن أبي داود 3/ 360.
فقوله رحمه الله: "على الطب" عام يشمل الجراحة لأنها فرع من فروعه قديمًا وحديثًا، وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله على مشروعية الإجارة على فعل المنافع المباحة (1)، والجراحة تعتبر منفعة مباحة فيجوز الاستئجار على فعلها، وقد أشار الإمام أبو محمد عبد الله بن قدامة رحمه الله إلى مشروعية الإجارة على فعل الجراحة، فقال رحمه الله: "ويجوز الاستئجار على الختان، والمداواة، وقطع السلع لا نعلم فيه خلافًا
…
" (2) اهـ.
وكما دل دليل النقل على مشروعية الإجارة على فعل الجراحة دل العقل على ذلك أيضًا من الوجوه التالية:
الوجه الأول:
تجوز الإجارة على فعل الجراحة كما تجوز على الأفعال المباحة بجامع كون كل منهما فعلاً مأذونًا به شرعًا (3).
الوجه الثاني:
تجوز الإجارة على فعل الجراحة كما تجوز على فعل الختان بجامع كون كل منهما منفعة مباحة مقصودة (4).
الوجه الثالث:
(1) قال ابن رشد رحمه الله: "واتفقوا على إجارة الدور والدواب والناس على الأفعال المباحة" اهـ. بداية المجتهد لابن رشد 2/ 220، 221 ومثله في حلية الفقهاء للقفال 5/ 383.
(2)
المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 121.
(3)
المصدر السابق ص 123.
(4)
المصدر السابق ص 126.