الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في (مشروعية التخدير الجراحي)
وبيان هذه المشروعية يستلزم الحديث عن الحاجة الداعية إلى التخدير الجراحي، ثم بيان اعتبار الشريعة الإسلامية لها، ونصوص أهل العلم رحمهم الله التي تدل على جواز تخدير المريض عند وجود تلك الحاجة الداعية إلى ذلك.
وبيان جميع ذلك يتضح في المقصدين التاليين:
المقصد الأول: في الحاجة إلى التخدير
يحتاج الطبيب الجراح أثناء قيامه بمهمة الجراحة الطبية إلى سكون المريض وعدم حركته، وذلك لكي يستطيع القيام بأداء مهمته الجراحية على الوجه المطلوب، فحركة المريض وانزعاجه وعدم استقراره أثناء مهمة الجراحة يعتبر عائقًا كبيرًا يحول دون أدائها والقيام بها على وجهها المطلوب، فإن الطبيب الجراح مهما تغاضى عن تصرفات المريض وآلامه فإنه سرعان ما يتعاطف معها إذا بلغت ذروتها، ولو فرضنا أنه لم يبال بشيء من ذلك فإن المريض لن يستقر ولن يثبت بسبب ما يحسه ويجده من الآلام، الأمر الذي يدعوه إلى الحركة الدائمة والمقاومة المستمرة التي لا يستطيع معها الطبيب الجراح الاستمرار في أداء مهمته، وقد تطيش يده التي تحمل الأدوات الجراحية فتقطع عرقًا أو عضوًا لا سمح الله، فينشأ عن ذلك خطر أكبر من المرض الذي تدخل من أجل علاجه، لذلك لابد من وجود التخدير الذي يجعل المريض في حالته
المناسبة ووضعه المناسب أثناء إجراء الجراحة الطبية اللازمة له.
وهذه الحاجة تختلف بحسب أنواع الجراحة الطبية وموضعها من حيث عمقها في جسد الإنسان وسطحيتها، فالجراحة التي تختص بالقلب مثلاً لا يمكن أن تجرى إلا بعد التخدير الكلي للمريض، بل إن الجراحة الطبية القلبية لم تصل إلى هذه الدرجة الدقيقة من الخطورة والعمق خاصة في جراحة القلب المفتوح إلا بعد تطور التخدير وتحسنه (1).
فهذا النوع من الجراحة وأمثاله من الجراحات الطبية الخطرة في المخ، والأعصاب، والعين، والأذن، والصدر، والبطن، والمسالك البولية، تصل الحاجة فيها إلى التخدير درجة الاضطرار بحيث لا يمكن أن تجرى الجراحة الطبية فيها إلا بعد التخدير، وإذا تم فعلها بدونه فإن معنى ذلك هو الموت المحقق للشخص المريض.
وهناك نوع آخر من الجراحة الطبية أقل خطورة ويمكن للطبيب الجراح أن يقوم بأداء مهمته الجراحية بنجاح تام والمريض في كامل شعوره وإحساسه وإن كان يجد من آلام الجراحة شيئًا لكنه مما يمكن تحمله والصبر عليه دون وجود مقاومة أو ضجر شديد، وهذا النوع أكثر ما يوجد في الجراحة العامة السطحية المتعلقة بعلاج الجراحة التي في ظاهر جسد الإنسان.
وهناك نوع ثالث من الجراحة الطبية يعتبر وسطاً بين النوعين من
(1) ويقول الدكتور محمود فاعور: "
…
وقد ساعد على الوصول إلى هذه الدرجة العالية من التطور ذلك التقدم الكبير الذي بلغت إليه علوم لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالجراحة، وأكثر هذه العلوم التصاقًا بالجراحة ومواكبة لها علم التخدير" أهـ. الشفاء بالجراحة د. محمود فاعور 311.