الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في (شروط الإذن)
يشترط لصحة الإذن بفعل الجراحة الطبية الشروط الستة التالية:
الشرط الأول:
أن يكون الإذن صادرًا ممن له الحق، وهو الشخص المريض، أو من يقوم مقامه كوليه في حال عدم أهليته أو من له الولاية العامة كالحاكم (1).
ومن ثم فإنه لا يعتبر إذن أي شخص لم يعتبر الشرع إذنه عن ذلك المريض فمثلاً: إذا أذن أخ المريض بفعل الجراحة بأخيه حال أهلية المريض، وعدم موافقته، فإن إذنه يعتبر ساقطًا لكونه غير مستند على أصل شرعي يعتبره، فالحق في هذه الحالة مختص بالمريض وحده.
الشرط الثاني:
أن تتحقق أهلية الإذن في كل من المريض، ووليه، وعليه فإنه لا يصح إذن صبي، ولا مجنون، ولا سكران، كما تقدم بيانه في المطلب السابق (2).
(1) المغني والشرح الكبير لابن قدامة 6/ 121.
(2)
انظر ص (250).
الشرط الثالث:
أن يكون الآذن مختارًا في حال صدور الإذن منه فلا يصح إذن المكره لأنه لا يعتد بقوله الذي أكره عليه (1).
الشرط الرابع:
أن يشتمل الإذن على إجازة فعل الجراحة، لأن ذلك هو المقصود من الإذن.
فلو اشتمل على إجازة غيرها كالعلاج بالدواء، أو إجازة مرحلة منها كمرحلة الفحص فإنه لا يعتبر موجبًا لإجازة فعل الجراحة.
وعلى هذا فإن اعتذار الطبيب الجراح بكون المريض طلب منه علاجه بالدواء وأن ذلك يتضمن الإذن بالجراحة يعتبر اعتذارًا مردودًا، لعدم اتحادهما لفظًا، ومعنى، فالتداوي بالدواء شيء، والتداوي بالجراحة شيء، والجراحة أخطر من الدواء في الغالب، ولذلك يحتاط لها الأطباء من ناحية خوفهم من المسئولية أكثر من احتياطهم للدواء، وإن كان كلاً منهما يتضمن المخاطر التي تهدد حياة المريض فلذلك لا يعتبر الإذن بالأخف ضررًا إذنًا بما هو أخطر منه وأشد.
(1) الأصل في عدم اعتبار قول المكره الذي أكده عليه قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} سورة النحل (16) آية 106. فقد دلت هذه الآية الكريمَة على أن من أكره على قول ما يوجب الكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يعتبر كافراً، فاعتبرها العلماء رحمهم الله أصلاً في عدم مؤاخدة المكره بقوله الذي أكره عليه، لأنه إذا كان الإكراه موجبًا لسقوط المؤاخذة فيما هو من أصول الدين فإنه من باب أولى أن يكون مسقطًا لها فيما هو من فروعه. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 181، 182.
الشرط الخامس:
أن تكون دلالة الصيغة على إجازة فعل الجراحة صريحة أو قائمة مقام الصريح.
فمن أمثلة الصيغة المشتملة على الإذن الصريح قول المريض للطبيب: أذنت لك بفعل الجراحة، أو افعل لي جراحة كذا، أو أجزت لك فعل جراحة كذا ونحو ذلك.
ومن أمثلة الصيغة المشتملة على الإذن الذي يقوم مقام اللفظ الصريح:
الإشارة المفهومة، كأن يهز المريض رأسه علامة على رضاه ونحو ذلك من الأفعال الدالة على إذنه بفعل الجراحة.
الشرط السادس:
أن يكون المأذون به مشروعًا، فإذا لم يكن كذلك، بأن أذن له بفعل جراحة محرمة كجراحة الوشر، وتغيير الجنس ونحوها فإنه لا يصح إذنه ولا يعتبر شرعًا.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله عند بيانه لأدلة وجوب الختان: "
…
فإنه لا يجوز له (1) الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقطعه ولا أوجب قطعه، كما لو أذن له في قطع أذنه، أو أصبعه، فإنه لا يجوز له ذلك، ولا يسقط الإثم عنه بالإذن
…
" (2) اهـ.
(1) أي الخاتن.
(2)
تحفة المودود لابن القيم 131.
فبين رحمه الله أن الإذن بقطع العضو الذي لم يأمر الشرع بقطعه لا يبيح للقاطع فعل القطع، ثم أسقط اعتبار الإذن ورتب الإثم على فعل المأذون به، لكون ذلك المأذون به من جنس المحرم شرعًا.
فدل هذا على أن الإذن يشترط في صحته واعتباره أن يتضمن الجراحة المأذون بفعلها شرعًا دون غيرها.
فهذه هي مجمل الشروط التي ينبغي توفرها لاعتبار إذن المريض بفعل الجراحة الطبية.
* * *