الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحالة الثانية:
أن يوجد في الأصبع الزائدة ألم يدعو إلى قطعها:
وفي هذه الحالة يجوز لصاحبها قطعها لأن قطعها لا يعتبر تغييرًا لخلق الله، ولكن بشرط أن يكون علاج ذلك الألم هو القطع، أما لو أمكن إزالة ذلك الألم بدواء أخف من القطع فإنه يجب المصير إليه ولا يجوز الإقدام على القطع كما هو الحال في جميع الجراحة الطبية (1).
وإنما جاز القطع في هذه الحالة لمكان الحاجة الداعية إليه، وقياسًا على القطع الأكْلَة والسلعة بجامع الألم وخوف الضرر في كل، وقد أشار إلى استثناء هذه الحالة القاضي عياض رحمه الله وحكاه عن الطبري وغيره (2).
المسألة الثالثة: هل يجوز قطع العصب للتغلب على الألم
؟
تعتبر هذه المسألة من المسائل المتعلقة بالجراحة العصبية، وهي محل تساؤل عدد من الأطباء الذين يضطرون إلى معالجة مرضاهم بقطع الأعصاب الناقلة للألم في بعض الحالات المستعصية، وتعرف هذه الجراحة عندهم بجراحة التغلب على الألم (3)، ومرادهم بالألم نوع خاص من الآلام وهو الألم العنيد، فلا تعالج بهذا النوع من الجراحة الآلام الخفيفة المحتملة، وإنما تعالج به الآلام القوية المبرحة التي استعصى علاجها على الأطباء، ولذلك يعتبر الألم عندهم عنيدًا في إحدى الحالات الثلاث التالية:
(1) لأن من شرط جواز فعل الجراحة الطبية ألا يوجد البديل الذي هو أخف ضررًا منها.
(2)
تفسير القرطبي 5/ 393، ونقله بعض فقهاء المالكية رحمهم الله. انظر: شرح المواق لمختصر خليل 5/ 422، ومنح الجليل لعليش 3/ 776، 777.
(3)
السلوك المهني للأطباء. د. التكريتي 271.
الحالة الأولى: عدم اكتشاف السبب الموجب للألم.
الحالة الثانية: صعوبة معالجة السبب كما في السرطانات.
الحالة الثالثة: عدم استجابة الألم للمسكنات المختلفة (1).
وفي هذه الحالات يقوم الأطباء بقطع العصب الناقل للألم والإشارات الحسية من منطقة الألم إلى الدماغ، والعكس، وبقطع هذه الأعصاب يتخلص المريض من الألم (2).
ويعتبر الأطباء الجراحة في هذه الحالة هي الحل الوحيد الذي يتعين فعله لإنقاذ المرضى من تلك الآلام المبرحة والتي استعصى علاجها بالوسائل الأخرى كالمهدئات والمسكنات، ولو فرض أنها استجابت لبعض المهدئات والمسكنات القوية فإن المشكلة تكمن في أن هذه المهدئات مركبة من مواد مخدرة كالأفيون وأشباهه من المخدرات التي تقوى على تسكين الآلام المبرحة، إلا أنه لا يمكن العلاج بها لفترة أطول نظرًا لخطورة إدمان المريض عليها، الأمر الذي قد يفضي إلى عواقب ونتائج سيئة قد تفوق الألم المعالج بها من حيث الخطورة والضرر المترتب عليها (3).
ومن أمثلة هذه الجراحة ما يجرى لعلاج الألم العنيد في الناحية القطنية، أو العجان، أو الأطراف السفلية، حيث يقوم الطبيب الجراح بقطع الحزمة الشوكية السريرية البصرية في أعلى الناحية الظهرية، وفي
(1) الجراحة العصبية. د. النحاس 339، الجراحة العصبية. د. البكداش 235.
(2)
المصادر السابقة.
(3)
الجراحة العصبية. د. البكداش 235.
الجهة المقابلة إن كان الألم في جهة واحدة (1).
والذي يظهر والعلم عند الله أن هذا النوع من القطع يجوز فعله وذلك لما يلي:
أولاً: أن العلماء رحمهم الله أجمعوا على جواز قطع العضو الألم كما سبق بيانه، والعصب جزء من العضو، فإذا جاز قطع الكل لمكان الألم ومشقته فإنه يجوز قطع جزئه للعلة نفسها من باب أولى، وأحرى.
ثانيًا: أن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الضرر يزال (2)، والألم ضرر، فتشرع إزالته، وذلك بالقطع لأنه الحل الوحيد في مثل هذه الحالات.
ثالثًا: أن من قواعد الشريعة الإسلامية أن المشقة تجلب التيسير (3)، والألم الذي يعاني منه المريض في الحالات التي تستدعي قطع العصب فيه مشقة عظيمة، لا يستطيع معها المريض أن ينام أو يرتاح من عنائها (4)، فيشرع التيسير له، وذلك بالإذن له وللطبيب بفعل الجراحة الموجبة لزوال ذلك الألم.
(1) الجراحة العصبية. د. النحاس 344.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي 83، والأشباه والنظائر لابن نجيم 85.
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي 76، والأشباه والنظائر لابن نجيم 75.
(4)
من أمثلة ذلك ما ذكره فاروق النحاس عند بيانه لأوصال الألم الموجود في حالة تناذر السرير البصري "وهي من الحالات المندرجة تحت هذا النوع من الجراحة" حيث يقول: "يتصف الألم في هذا التناذر بأنه حارق شديد، قد يمنع المريض من النوم، ولا يستجيب لمختلف الأدوية المسكنة، ويشمل نصف البدن طولا بالكامل" اهـ. الجراحة العصبية د. النحاس 345.