الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحاجي فيظهر اعتبارهم له من الأمثلة التي ذكرها فقهاء الحنفية والحنابلة رحمهم الله، من قطع السلعة والخراج والعروق.
ويعتبر إطلاق الإمام شرف الدين موسى الحجاوي من فقهاء الحنابلة رحمهم الله شاملاً لنوعي القطع الضروري والحاجي، حيث قال رحمه الله في الإقناع: "
…
وقطع شيء من جسده للحاجة إليه
…
" (1) اهـ.
وقد تقدم في مبحث أدلة مشروعية الجراحة ذكر قصة عروة بن الزبير رضي الله عنه وأنها تعتبر دليلاً على إجماع السلف رحمهم الله على جواز القطع ومشروعيته .. والله تعالى أعلم.
المسألة الأولى: هل يكره قطع البواسير
؟.
قال العلامة منصور بن إدريس البهوتي رحمه الله: "يكره قطع الباسور، ومع خوف تلف بقطعه يحرم، وبتركه يباح"(2) اهـ.
ومراده رحمه الله أن قطع الباسور له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: يحرم فيها فعله، وذلك عند خوف الهلاك بسبب قطعه.
الحالة الثانية: يباح فيها فعله، وذلك عند خوف الهلاك بسبب تركه.
(1) الإقناع للحجاوي 2/ 302.
(2)
كشاف القناع للبهوتي 2/ 66.
الحالة الثالثة: الكراهة فيما عدا ذلك.
فأما حكمه بحرمة القطع في حالة الخوف من الهلاك بسبب فعل القطع فهو أمر مسلم، ولكن بشرط أن يكون ذلك الخوف مبنيًا على قول الأطباء، وأهل المعرفة وهذه الحالة نادرة الوقوع في العصر الحاضر نظرًا لتطور علم الجراحة ووسائله التي منَّ الله تعالى بها على عباده.
وإنما حرم فعل القطع في هذه الحالة لأنه يفضي إلى فوات النفس وتلفها، وهي مفسدة أعظم من مفسدة بقاء الباسور بآلامه، فوجب تقديم المنع والحكم بحرمة فعله.
وأما حكمه بإباحته في حال خوفه الهلاك بسبب ترك قطع الباسور فهو مبني على نفس الأصل المتقدم لأن مصلحة حفظ الروح موجودة في القطع، ومفسدة فواتها في تركه، فقدمت مصلحة حفظ الروح بفعل القطع على مفسدة فواتها بتركه والصورة العكسية تقتضي القول بالوجوب في هذه الحالة لأنه مقابل للقول بالحرمة والعلتان متقابلتان، لكن لعله لاحظ أن حصول مصلحة حفظ الروح بفعل القطع في هذه الصورة غالبة بخلاف الصورة الأولى فإنها متيقنة في تركه للقطع الموجب لها.
وأما حكمه بكراهة قطعه فيما عدا هاتين الحالتين فهو محل إشكال خاصة وأنه لم يبين مستنده في ذلك، اللهم إلا أن يقال: إنه راعى مفسدة كشف العورة أو أن القطع في عصره كان مشتملاً على ما يوجب الحكم بكراهة فعله، وأيًا ما كان فإن ما تقدم بيانه في مشروعية القطع عند الحاجة يدل على جواز قطع الباسور في هذه الحالة بدون كراهة،
وأما مفسدة كشف العورة فقد نص العلماء رحمهم الله على إسقاطها في التداوي نظرًا للحاجة الداعية إليه (1)، ثم إن الختان عند طائفة من أهل العلم رحمهم الله سنة ومع ذلك أجازوا كشف العورة له، فكذا هنا يجوز كشف العورة لقطع الباسور بدون كراهة .. والله تعالى أعلم.
* * *
(1) الفوائد في اختصار المقاصد لابن عبد السلام 61، 62، تحفة المردود لابن القيم 134، فتح الباري لابن حجر 10/ 341، طرح التثريب للعراقي 1/ 75، ومغني ذوي الأفهام لابن عبد الهادي 29.