الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث بم تثبت الحاجة إلى فعل الجراحة الطبية
؟
تقدم في مبحث شروط جواز فعل الجراحة الطبية أن من شروطها أن توجد الحاجة الداعية إلى فعلها، وبناء على ذلك فإنه يرد السؤال عن ثبوت تلك الحاجة بم يكون؟.
والجواب: أن الحاجة إلى الجراحة تثبت بشهادة الأطباء المختصين بأنها علاج الألم أو الآفة التي يشتكي منها المريض، وذلك لأن الشريعة تعتبر شهادة أهل كل علم فيما يعود إلى علمهم، ولما كانت الجراحة فرعًا من فروع علم الطب، وجب الرجوع إلى شهادة المختصين من الأطباء في علم الجراحة، ثم ينظر إلى أهل الاختصاص بموضع الألم وجراحته، فيرجع في جراحة أمراض العيون إلى الطبيب الجراح المختص بالعيون، وفي جراحة الأسنان إلى الطبيب المختص بأمراض الأسنان، وقد نص الفقهاء رحمهم الله على اعتبار شهادة الأطباء المختصين بالحاجة إلى الجراحة ومنهم الإمام النووي رحمه الله حيث يقول: "قلع السن الوجعة، إنما يجوز إذا صعب الألم، وقال أهل الخبرة: إنه يزيل الألم، وقطع اليد المتآكلة إنما يجوز إذا قال أهل الخبرة: إنه نافع
…
" (1) اهـ.
فاشترط رحمه الله لجواز فعل القلع والقطع شهادة الأطباء الذين عبر عنهم بأهل الخبرة بأن ذلك القلع والقطع يزيل الألم، وفي ذلك دليل ظاهر على اعتبار شهادتهم، وأنه ينبغي الرجوع إليهم لإثبات الحاجة إلى فعل الجراحة.
(1) روضة الطالبين للنووي 5/ 184.
وإذا ثبت اعتبار شهادة الأطباء بوجود الجراحة ولزوم الرجوع إليهم في ذلك فإنه يرد السؤال هل يشترط فيهم العدد أو تكفي شهادة الطبيب الواحد منهم؟.
والجواب: الذي يظهر أن شهادة الطبيب الواحد كافية في إثبات الحاجة إلى فعل الجراحة، ويشهد لذلك ما ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:(أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبيٍّ طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه عليه" (1).
فهذا يدل دلالة واضحة على أن شهادة الطبيب الواحد تعتبر كافية في ثبوت الحاجة إلى فعل الجراحة الطبية، حيث لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فعله الذي استند فيه إلى شهادته وحده، ولم يلزمه بشهادة طبيب آخر معه.
وقال الشيخ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي رحمه الله: "أما إذا حل قلعها كأن صعب ألمها، وقال طبيب عدل، ولو عدل رواية فيما يظهر فيهما أنه يزول بالقلع فيجوز استئجار له
…
واليد المتآكلة كالسن الوجعة" (2) اهـ.
فنص رحمه الله على اعتبار شهادة الطبيب الواحد، إلا أنه قيده بوصف العدل، وهو وصف معتبر لقبول الشهادة شرعًا (3)، والحكم
(1) تقدم تخريجه، وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في شرح هذا الحديث:"استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده" اهـ. نيل الأوطار للشوكاني 8/ 205.
(2)
فتح الجواد للهيثمي 1/ 589. وقد أشار غيره إلى اعتبار شهادة الطبيب الواحد في التداوي بالمحرم. انظر فتح المعين لأبي السعود 3/ 409، الفتاوى الهندية 5/ 355.
(3)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} سورة الحجرات (49) آية 6. وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله على اعتبار العدالة في الشاهد ورد =
بالحاجة ضرب من الشهادة، لكن يرد السؤال عن الحالة التي عمت بها الآن من قلة العدول من الأطباء وغيرهم هل يجب البقاء على هذا الأصل وفي ذلك حرج عظيم، أم يرخص للناس في تركه؟.
والجواب: أنه بناء على ما قرره شيخ الإسلام - ابن تيمية رحمه الله من اعتبار شهادة الأمثل فالأمثل من الفساق عند تعذر العدل (1) يمكن أن يتخرج عليه اعتبار شهادة الأمثل فالأمثل من الأطباء في هذه المسألة
…
والله تعالى أعلم.
* * *
= شهادة الفاسق. انظر بداية المجتهد لابن رشد 2/ 450، البحر الزخار 5/ 24.
(1)
الاختبارات للبعلي 357، والقول بقبول أمثل الفساق اختاره جمع من فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية رحمهم الله. انظر معين الحكام للطرابلسي 115، تبصرة الحكام لابن فرحون 2/ 24، ترشيح المستفيدين للسقاف 418، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/ 44.