الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يشكل على القول بجواز الجراحة في الصورة الأولى ما تتضمنه من إتلاف الجنين وتعريضه للهلاك، وذلك لأن حياة الأم مهددة ببقائه، وبقاؤه في الغالب غير منته بسلامته وخروجه حيًا، ومن ثم كانت حياة الجنين موهومة، وحياة الأم متيقنة فلا يجوز تعريض الحياة المتيقنة للهلاك طلبًا لحياة موهومة، وجاز استخراج الجنين بالجراحة على هذا الوجه ارتكابًا لأخف الضررين للقاعدة الشرعية التي تقول:"إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما"(1).
فالضرر المترتب على بقاء الجنين في هذه الصورة يعرض الأم والجنين للهلاك، بخلاف الضرر المترتب على استخراجه فإنه مختص بالجنين فهو أخفهما.
وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لعلاج هذه الحالات بالوسائل التي تنتهي بسلامة الأم وجنينها، وألا يقدموا على فعل هذا النوع من الجراحة إلا إذا تعذرت تلك الوسائل، وتحققوا من أن بقاء الجنين مفض إلى هلاكه وأمه، أو غلب على ظنهم ذلك
…
والله تعالى أعلم.
الحالة الثانية:
أن تكون حاجية: وهي الحالة التي يحتاجها الأطباء فيها إلى فعل الجراحة بسبب تعذر الولادة الطبيعية، وترتب الأضرار عليها إلى درجة لا تصل إلى مرتبة الخوف على الجنين أو أمه من الهلاك.
ومن أشهر أمثلتها: الجراحة القيصرية التي يلجأ إليها الأطباء عند
(1) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 87، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 89، وقواعد الفقه للمجددي ص 140، وشرح القواعد الفقهية للزرقاء ص 147، والأقمار المضيئة للأهدل ص 123.
خوفهم من حصول الضرر على الأم أو الجنين أو هما معًا، إذا خرج المولود بالطريقة المعتادة، وذلك بسبب وجود العوائق الموجبة لتلك الأضرار، ومن أمثلتها: ضيق عظام الحوض، أو تشوهها أو إصابتها ببعض الآفات المفصلية، بحيث يتعذر تمدد مفاصل الحوض.
أو يكون جدار الرحم ضعيفًا، ونحو ذلك من الأمور الموجبة للعدول عن الولادة الطبيعية دفعًا للضرر المترتب عليها (1).
والحكم بالحاجة في هذا النوع من الجراحة راجع إلى تقدير الأطباء، فهم الذين يحكمون بوجودها، ولا يعد طلب المرأة أو زوجها مبررًا لفعل هذا النوع من الجراحة طلبًا للتخلص من آلام الولادة الطبيعية، بل ينبغي للطبيب أن يتقيد بشرط وجود الحاجة، وأن ينظر في حال المرأة وقدرتها على تحمل مشقة الولادة الطبيعية وكذلك ينظر في الآثار المترتبة على ذلك، فإن اشتملت على أضرار زائدة عن القدر المعتاد في النساء ووصلت إلى مقام يوجب الحوج والمشقة على المرأة، أو غلب على ظنه أنها تتسبب في حصول ضرر للجنين، فإنه حينئذ يجوز له العدول إلى الجراحة وفعلها، بشرط ألا يوجد بديل يمكن بواسطته دفع تلك الأضرار وإزالتها
…
والله تعالى أعلم.
* * *
(1) السلوك المهني للأطباء د. التكريتي ص 247.