الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقَدِّمَة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.
بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ففتح الله به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وأقام به الملةَ العوجاءَ، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن التوحيد يحتاج لمعرفته أهل الأرض قاطبة، وأهل الملة الإسلامية خاصة، فهم أحوج إليه من غيث السماء، ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم حنادس
(1)
الظلماء، فضرورتُهم إليه أعظمُ الضرورات، وحاجتُهم إليه مقدمة على جميع الحاجات، إذ لا حياة للقلوب، ولا سرور ولا لذةَ، ولا نعيم ولا أمانَ إلا بتحقيق لا إله إلا الله (التي ورّثها إمامُ الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أُسست الملة ونُصبت القبلة وجُرِّدت سيوفُ الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرِّيَّة في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي النشور
(2)
الذي لا يدخل الجنة إلا به والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه)، وهى (كلمة
(1)
الحِندِس بكسر الحاء والدال: الليل الشديد الظلمة.
(2)
في مختار الصحاح: نشر الميِّتُ فهو: ناشر، عاش بعد الموت، ومنه يوم النشور، وأنشره الله تعالى أحياه باب (ن ش ر).
الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها تنقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإسلام، وتميزت دارُ النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"
(1)
.
فأفضل ما شُغلت به الأوقات، وانقضت فيه الساعات توحيد رب العالمين الذي اختاره الله لأنبيائه واصطفى لتحقيقه سادةَ رسله وصفوةَ خلقه.
قال ابن عيينة - رحمه الله تعالى -: "ما أنعم الله على عبدٍ من العباد نعمةً أعظم من أن عرَّفهم لا إله إلا الله. وإنَّ لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا"
(2)
.
وقال الإمام المقدسي - رحمه الله تعالى -: "فلو أن الإنسان عرف كل شيء ولم يعرف الله سبحانه كان كأنه لم يعرف شيئًا"
(3)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى -: "فلا يُزهَّد في التوحيد، فإن بالزهد فيه يقع في ضده، وما هلك من هلك ممن يدَّعي الإسلام إلا بعدم إعطائه حقه ومعرفته حق المعرفة، وظنوا أنه يكفي الاسم والشهادتان، ولم ينظروا ما ينافيه وما ينافي كماله هل هو موجود أو مفقود؟ وهذا كله من عدم التحرز ومعرفة ألفاظ التوحيد لفظة، لفظة"
(4)
.
فيا غافلًا عن حقيقة السعادة، دونك ما تسابق الأخيار في تحصيله، وما تنافس الأتقياء في تحقيقه حتى قال قائلهم: مساكين أهل الدنيا مضوا عنها وما حصلوا
(1)
ما بين القوسين من كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي ص 138.
(2)
كلمة الإخلاص لابن رجب ص 52 - 53.
(3)
مختصر منهاج القاصدين ص 169.
(4)
شرح كشف الشبهات 108، 109. وللاستزادة من أقوال العلماء في هذا الباب انظر في هذا الكتاب باب (التوحيد وأقسامه).
أحسن ما فيها معرفة الله وتوحيده.
كرِّرْ حديثَكَ لي عن بانةِ العلمِ
…
فهو الشفاءُ لما ألقاهُ من ألَمِ
إن كان عن ناظِرِي قد غابَ حُسْنكم
…
فَذِكرُكم أبدًا في خاطِري وفمِي
وهذا كتاب "معجم التوحيد"
(1)
، جمعت فيه ما يتعلق بتوحيد العبادة ومسائل الإيمان، وما يضاده من نواقض الإسلام، وأقسام الكفر، والشرك والنفاق، وما يتعلق به من أصول ومسائل ومصطلحات وتعريفات، مع بيان الغامض من المفردات، ووضع الفوائد والتقسيمات، مما قد يَشُق على الباحث العثور عليه سريعًا وقد اتسعت مسائل هذا الكتاب وتشعبت، وحاولتُ جاهدًا أن أقربها وأُأَلّف بينها وبذلتُ ما في الوسع لأجل ذلك. وانصبَّ الاهتمام على الأصول من المسائل. وقد جعلت كتاب التوحيد للشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله نواةً للعمل، فكل ما استحق بحثًا في مسائله أفردتُ له بابًا مستقلًا، وأضفتُ أبوابًا أخرى لها صلة بالتوحيد، وقام منهجي في ترتيب هذا الكتاب على الآتى:
1 -
تعريف لغوي: وهذا مصدره المعاجم المعروفة، ككتاب تهذيب اللغة للأزهري، والنهاية لابن الأثير، ومختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الوسيط وأمثالها، وبعض الأبواب أو العناوين سيتضح المعنى منه من غير تعريف بالمعنى اللغوي، كباب (اتخاذ القبور مساجد)، فمثل هذا لا أذكر له تعريفًا لغويًا لوضوحه.
2 -
تعريف شرعي أو اصطلاحي: وكان مصدره في الغالب التعريفات التي يعتمدها العلماء المحققون، كابنِ تَيمِيَّةَ، وابن القيم، وابن رجب، وابن كثير،
(1)
ملاحظة: عنوان الكتاب يعبر عن جزء منه للاختصار، وإلا فسيطول العنوان حيث تضمن الكتاب معرفة ما يتبع التوحيد من الإيمان وأصوله ونواقضه، وما يلحق به من اعتقاد أهل السنة والجماعة وما يخالف ذلك كالبدعة
…
إلخ.
وسبب إيرادي لبعض هذه المسائل أهميتها، ولأن عدم الإيمان بها كفر بالله عز وجل.
وأسلافهم. ويلحق بهم أئمة الدعوة بدءًا بالإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وسماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز والألباني وابن عثيمين رحمهم الله.
3 -
الأدلة من الكتاب.
4 -
الأدلة من السنة: والتزمت إيرادها من مصادرها الأصيلة مع عزو الحديث فإن كان عند البخاري أو مسلم فإنني أكتفي بالإحالة لهما أو لأحدهما، فإن كان عند غيرهما أشرت إلى ذلك. أما الأحاديث التي يذكرها عالِمٌ حال النقل عنه فإنني لم ألتزم تخريجها أو تحقيقها بل أوردها كما ذكرها من غير تغيير فيها.
5 -
قول السلف
(1)
عملًا بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59 - 60]، يقول الشيخ المعلمي رحمه الله: "ولا ريب أن الردّ إلى الله ورسوله بعد وفاته؛ إنما يحصل بالردّ إلى الكتاب والسنة، وأن تحكيمه بعد وفاته؛ إنما هو بتحكيم الكتاب والسنة.
ولا ريب أن من الرد إلى الكتاب: سؤال العلماء، كما أن الردّ إلى الرسول: اعتبار خلفائه وورثته من أهل العلم، قال الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وفي حديث أبي الدرداء مرفوعًا:"العلماء خلفاء الأنبياء"
(2)
، وله في السنن حديث فيه: "وأنّ العلماء ورثة الأنبياء
…
" الحديث
(3)
. ولا ريب أن الأئمة المجتهدين من أولى من يدخل في ذلك"
(4)
.
علمًا بأني إذا نقلت كلام أحد الأئمة فإني أضع كلامه بين قوسين، فإذا ذكر في كلامه حديثًا أو أثرًا أو كلامَ عالِمٍ آخر جعلتُ علامةَ تنصيص ليتضح ذلك.
(1)
انظر: معنى (السلف) في باب (أهل السنة والجماعة).
(2)
أخرجه البزار، ورجاله موثوقون كما في مجمع الزوائد (1/ 126).
(3)
أخرجه أبو داود (3641)، والترمذي (2683)، وابن ماجه (223).
(4)
البناء على القبور للمعلمي ص 5، 6.
- الحكمُ على المسألةِ وبيانُ حلِّها أوحرمتِها أو وجوبها وأثرِها على التوحيد.
- ذكر التقسيمات وإتباعها بفائدةٍ أو فوائد ممَّا يحتاج إليه الباحث، وهذا الترتيب في الجملة وربما خالفت هذا المنهج في بعض المواطن لسبب يقتضى ذلك.
وقد حاولتُ الابتعاد عن التكرار قدر الإمكان مع صعوبة ذلك، فإذا رأيتَ أبوابًا متشابهة في الأسماءِ وظهر لك عدم الفرق بينهما فإن المسائل المندرجة تحتها تختلف عن غيرها، فمثلًا أبواب (الكفر)(التكفير)(العذر بالجهل)(الردة) بينها شَبَهٌ كبير من حيث المعنى ولكن في باب (الكفر) ذكرت تعريفه وأنواعه، والفرق بين كفر الاعتقاد وكفر العمل وغير ذلك، أما باب (الردّة) فذكرت فيه أقسام الردة، وأن الكفر يكون بالقول وبالعمل وبالاعتقاد والترك والشك، وما يترتب على المرتد من آثار. وفي باب (التكفير) ذكرت النصوص الواردة في التحذير من التكفير بغير دليل شرعي ولا علم، والتفريق بين الإطلاق والتعيين، ومعرفة موانع التكفير كالإكراه والخطأ والتأويل والعجز. أما باب (عارض الجهل) فذكرت فيه ضوابط العذر بالجهل ومعنى قيام الحجة، وأن عدمها مانعٌ من تكفير المعيَّن، كما أوضحتُ المراد من بلوغ الحجة وفهمها، وأن الجهل لا يكون فيما هو معلوم من الدين بالضرورة وغير ذلك.
وقد ترِدُ المسالةُ في بابٍ فلا أتكلم عنها بل أحيل على باب آخر مشابه ذكرتُ فيه هذه المسألة بالتفصيل كمسألة (حكم الذهاب للكهان)؛ إذ يحتمل ذكرها في باب (العرَّاف)(الكاهن)(التنجيم)، ففصَّلتُ الكلام عنها في باب (الكهانة)، أما الأبواب الأخرى فعِنْدَ ذكر هذه المسألة فإني أُحيل على الباب الذي فصّلتُ فيه.
أما الأبواب فقد رتبتها ترتيبًا هجائيًا مراعيًا فيه شهرة اللفظ دون اعتبارٍ لأصل اشتقاقه، فلم ألتزم بما التزم به أصحاب المعاجم اللغوية؛ بل رتّبتُ الأبواب وفق لفظها المذكور في كتب أهل العلم وحسب ذكر العلماء لها، كما أهملتُ (أل)
التعريف فيما هو معرّف (بألْ) ومثال ذلك: باب (الاستعاذة) فإنك تبحث عنه في باب الهمزة ثم السين وهكذا، وتبحث عن باب (التوحيد) في الأبواب التي تبدأ بحرف التاء ثم الواو. وبعض الأبواب لا أستطيع إيرادها إلا بعبارتها أو مظهرها الشركي، كباب (ما شاء اللهُ وشئت)(التنجيم)، (الإقامة في بلاد الكفار) وغيرها، وليعذرنا القارئ في التبويب؛ لأن المراد التقريب وسهولة الوصول إلى المفردات المتعلقة بالتوحيد، فأرجوا أن أكون قد سلكت المسلك المناسب في ذلك؛ تسهيلًا لوصول المعلومة إلى القارئ، وهذا محل اجتهاد مني، إن وفقت فيه فذلك فضل من الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
وقد دفعني إلى ترتيب هذا الكتاب على حروف المعجم حاجة بعض طلبة العلم والدعاة والخطباء والباحثين إلى الوصول بطرق يسيرة لأقوال العلماء والأئمة في مسائل التوحيد، مع اختصار الوقت والجهد في البحث عنها في أُمَّات الكتب، وذلك يخدم الباحث في العَزْوِ لأهل العلم وكتبهم.
وحاولت التزام ذكرَ المراجع كي يتسنَّى لمن أراد التفصيل العثور على مراجع المسائل.
فتجد تحت كل باب مراجع رُمز لها بعلامة نجمة (*) أذكر بعدها كتب السلف من الأصول المتقدمة والكتب المتأخرة، والتزمتُ بذكر مكان المسألة في الشروح المشهورة على كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن ذلك: تيسير العزيز الحميد، فتح المجيد، حاشية ابن قاسم، القول المفيد، ثم فتاوى اللجنة، وفتاوى الشيخ ابن باز، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعًا -، وأغلب المسائل المذكورة والتقسيمات الموجودة اعتمدتُ فيها على الكتب والمراجع المكتوبة في حاشية كل باب، وربما نقلتُ من هذه المراجع بالنص أو استفدت من النقل الموجود فيها مع الاكتفاء بالمرجع الأصل، كما استفدتُ من الحواشي أو الشروح