الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - اتخاذ القبور عيدًا
*
العيد لغة:
قال الليث: "العيد: كلُّ يومِ مَجمع؛ وسُميَ عيدا لأنهم قد اعتادوه
…
واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه"
(1)
.
والعيد شرعًا: قال شيخ الإسلام: "العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدًا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك، والمراد به هنا الاجتماع المعتاد من اجتماع الجاهلية، فالعيد يجمع أمورًا منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات. وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقًا. وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدًا، فالزمان كقول النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا"، والاجتماع والأعمال كقول ابن عَبَّاسٍ: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والمكان كقوله: "لا تتخذوا قبري عيدًا".
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي
* شرحُ السُّنَّةِ للبَغوي 12/ 513 - 525. أحكام القرآن القرطبي 6/ 368. اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 425 - 488. إغاثة اللهفان 1/ 190 الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 415. شفاء الصدور ص 61، 60. تيسير العزيز الحميد ص 200 - 352. فتح المجيد ص 177 - 291. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم ص 105 - 171. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 1/ 457، ط 2 - 1/ 305، 491، 580 ومن المجموع 9/ 444. الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 2/ 259 - 3/ 595. فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 283. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 2/ 203، 295، 7/ 198، 207. الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة الأحمدي 2/ 336. شرح مسائل الجاهلية ص 129. شرح مسائل الجاهلية للسعيد 2/ 648. ابن رجب وأثره في توضيح العقيدة للغفيلي ص 36. التبرك د: ناصر الجديع ص 330.
(1)
تهذيب اللغة للأزهري 3/ 131.
- صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا""
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "والعيد ما يعتاد مجيئه وقصده: من مكان وزمان.
فأما الزمان، فكقوله صلى الله عليه وسلم:"يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى: عيدنا أهل الإسلام"
(2)
.
وأما المكان، فكما روى أبو داود في سننه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أنحر إبلًا ببوانة، فقال:"أبها وثن من أوثان المشركين، أو عيد من أعيادهم؟ " قالا: لا. قال: "فأوف بنذرك"
(3)
. وكقوله: "لا تجعلوا قبري عيدًا"
(4)
.
والعيد: مأخوذ من المعاودة، والاعتياد، فإذا كان اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة، أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام، ومنى، ومزدلفة، وعرفة، والمشاعر، جعلها الله تعالى عيدًا للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبد فيها عيدًا.
وكان للمشركين أعيادٌ زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها، وعوض الحنفاء منها عيد الفطر، وعيد النحر، وأيام منى، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة البيت الحرام، وعرفة، ومنى والمشاعر. فاتخاذ القبور عيدًا هو من أعياد المشركين التي كانوا عليها قبل الإسلام، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيد القبور، منبها به على غيره"
(5)
.
* الدليل من السنة: عن علي بن الحسين: أنه رأى رجلًا يجيء إلى فُرْجَةً كانت عِنْدَ قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا فإن
(1)
نقلًا عن تيسير العزيز الحميد ص 200، 201.
(2)
أخرجه أبو داود (2419)، وأحمد (17514)، والترمذي (773) وقال الترمذي حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه أبو داود (3313)، وابن ماجه (2131).
(4)
أخرجه أبو داود (2042)، وأحمد (8790).
(5)
إغاثة اللهفان 1/ 1190، 191.
تسليمكم يبْلُغُنِي أينما كنتم"
(1)
.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، ولا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حيث كنتم"
(2)
.
قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ: "ووجه الدلالة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالنهي كائنًا من كان، ثم إنه قرن ذلك بقوله: "ولا تتخذوا بيوتكم قبورًا" أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور
(3)
، فأمر بتحري العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عِنْدَ القبور. عكس ما يفعله المشركون من النصارى وأشباههم
…
قال: وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهم، نهى ذلك الرجل أن يتحرَّى الدعاءَ عِنْدَ قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث وهو الذي رواه وسمعه من أبيه الحسين عن جده علي رضي الله عنه. وهو أعلم بمعناه من هؤلاء الضُّلَّال. وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن شيخ أهل بيته كره أن يقصد الرجل القبر إذا لم يكن يريد المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا
…
فانظر هذه السنة كيف أن مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط"
(4)
.
(1)
أخرجه ضياء الدين المقدسي في المختارة (428) وأبو يعلى في مسنده (469) وابن أبي شيبة (11818).
(2)
أخرجه أبو داود (2042)، وأحمد (8790).
(3)
هذا هو المعنى الأول. والمعنى الثاني: لا تدفنوا فيها موتاكم، وكلا المعنيين حق ولا يرِدُ عليه دفن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته فإنه خاص به وبصاحبيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما يقول:"جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" خرجه مسلم في صحيحه (2389). وروى الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد وأبو بكر وعمر، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما وقال:"هكذا نبعث يوم القيامة".
سنن الترمذي (3669)، وقال: هذا حديث غريب.
(4)
هذا الكلام نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية تلميذُه الإمامُ ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 192، 193.