الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
دفع توهم:
قال الشيخ الألباني رحمه الله: "إننا حينما ننفي التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه، أو قدر أو مكانة عند الله، كما أنه ليس لأننا نبغضهم، وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله، ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم
…
إن كل مخلص ومنصف ليعلم علم اليقين بأننا -والحمد لله- من أشد الناس حبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعرفهم لقدره وحقه وفضله صلى الله عليه وسلم وبأنه أفضل النبيين، وسيد المرسلين، وخاتمهم وخيرهم، وصاحب اللواء المحمود، والحوض المورود والشفاعة العظمى، والوسيلة والفضيلة، والمعجزات الباهرات، وبأن الله تعالى نسخ بدينه كل دين، وأنزل عليه سبعًا من المثاني والقرآن العظيم، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، إلى آخر ما هنالك من فضائله صلى الله عليه وسلم ومناقبه التي تبين قدره العظيم، وجاهه المنيف صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أقول: إننا -والحمد لله- من أول الناس اعترافًا بذلك كله ولعلّ منزلته صلى الله عليه وسلم عندنا محفوظة أكثر بكثير مما هي محفوظة لدى الآخرين، الذين يدعون محبته، ويتظاهرون بمعرفة قدره، لأن العبرة في ذلك كله إنما هي في الاتباع له صلى الله عليه وسلم، وأمثال أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه وتعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31] "
(1)
.
*
شبهات في التوسل الممنوع:
الشبهة الأولى:
من شُبَه المجيزين للتوسل الممنوع حديث الأعمى الذي أخرجه الترمذي رحمه الله: "أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت
(1)
التوسل للألباني: 77 - 80.
وإن شئت صبرت فهو خير لك قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه فيّ" فعاد وقد أبصر"
(1)
.
واستدلالهم هذا باطل إذ القصة يفهم منها أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له وذلك في قوله: "ادع الله أن يعافيني" ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "وإن شئت صبرت فهو خير لك" فقال الأعمى: "فادع" وهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له. وجاءت رواية أخرى فيها أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له
(2)
فدل على أنه توجه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وفي الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه قال: "اللهم فشفعه فيّ" أي: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم فيّ أي اقبل دعاءه في أن ترد عليّ بصري وهذا لا يمكن حمله على التوسل البدعي كالتوسل بالجاه ونحوه.
وجاء في الحديث "وشفعني فيه" وصححها الألباني رحمه الله وقال: "وهذه الجملة وحدها حجة قاطعة على أن حمل الحديث على التوسل بالذات باطل"
(3)
.
وجملة "وشفعني فيه" معناها: اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليَّ بصري هذا الذي لا يمكن أن يُفهم من هذه الجملة سواه
(4)
.
(1)
سنن الترمذي: "3578"، كتاب الدعوات، والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن ماجه (1385). والمستدرك للحاكم: 1/ 313 كتاب صلاة التطوع، دعاء رد البصر، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، وضعفه بعض العلماء كالشيخ سليمان بن عبد الله في التيسير ص 244 والسهسواني في صيانة الإنسان ص 125، 204، وقد صححه الألباني في صحيحي سنن الترمذي وابن ماجه.
(2)
انظر تيسير العزيز الحميد ص 245 ط المكتب الإسلامي.
(3)
انظر: التوسل للألباني ص 74
(4)
انظر: التوسل للألباني ص 74.
وجاءت زيادة "وشفعني في نفسي" ومعناها اقبل دعائي في نفسي واقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيَّ وأما ما فهمه البعض من هذا الحديث من جواز التوسل بذوات الصالحين فإنه خطأ بل هو توسل بشفاعته لا بذاته
(1)
كما كان الصحابة يتوسلون بدعائه في الاستسقاء كما توسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم، وكذلك معاوية بن أبي سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود ولو كان التوسل بالذوات جائزًا وسائغًا عندهم لتوجهوا للنبي في قبره.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "وفي بعض الروايات "يا محمد إني أتوجه" إلى آخره. وهذه اللفظة هي التي تعلق بها المشركون وليست عند هؤلاء الأئمة .... فقوله: يا محمد إني أتوجه الخ لم تثبت في أكثر الروايات. وبتقدير ثبوتها لا يدل على جواز دعاء غير الله، لأن هذا خطاب لحاضر معين يراه ويسمع كلامه، ولا إنكار في ذلك، فإن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه ما يقدر عليه، فأين هذا من دعاء الغائب والميت لو كان أهل البدع والشرك يعلمون"
(2)
.
ومن هنا يتبين أن الحديث ليس فيه ما يدل على جواز دعاء الموتى بل هو دعاء الله تعالى بتوجهه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته كما دعى الله تعالى أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم لتقضي حاجته
(3)
.
ثم نقول أخيرًا أن هذه الحادثة يذكرها العلماء ضمن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في استجابة الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يذكرونها في جواز التوسل بالجاه والذات
(1)
انظر: الاستغاثة في الرد على البكري: ص 397.
(2)
تيسير العزيز الحميد ص 246، 247.
(3)
راجع قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 185 وما بعدها، والصواعق المرسلة الشهابية تأليف سليمان بن سحمان 163 وما بعدها، التوسل للمحدث محمد ناصر الألباني ص 69 وما بعدها، وهذه مفاهيمنا ص 36.