الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - وجوب التفريق بين الإطلاق والتعيين:
التكفير المطلق: هو الحكم بالكفر على القول أو الفعل أو الاعتقاد الذي ينافي أصل الإسلام ويناقضه، وعلى فاعليها على سبيل الإطلاق، بدون تحديد أحد بعينه، فيقال من قال كذا أو فعل كذا فهو كافر. فالتكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه
(1)
.
أما تكفير المعين: فهو الحكم على المعين بالكفر؛ لإتيانه بأمر يناقض الإسلام بعد اجتماع شروط التكفير فيه، وانتفاء موانعه.
وهذا أصل عظيم وضابط مهم فإذا كان الفعل أو القول كفرا يطلق الكفر دون تعيين فيقال من فعل كذا فهو كافر ومن قال كذا فهو كافر وعليه فيقال: القول بخلق القرآن كفر، ولا يقال: نكفر كل من قال به، ويقال: إنكار الأسماء والصفات كفر، ولا يقال: نكفر كل من أنكر شيئًا من الأسماء والصفات؛ يكون عند من قال بهذ القول تأويلٌ أو شبهة، فالتكفير إخراج من الدين، والإخراج من الدين لا بد أن يبنى على اليقين، ولو كان تكفير المعين سائغًا دون النظر في الشروط والموانع لما نجا من الكفر إلا النزر اليسير من الأمة وهذا لم يعمله أحد من أئمة الإسلام فلا بد في حق المعين من رد الشبهة وتوضيح الأدلة. ولا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.
قال الهروي: "سئل الأزهري عمن يقول بخلق القرآن: أتسميه كافرًا؟ فقال: الذي يقوله كفر، فأعيد عليه السؤال ثلاثًا ويقول مثل ما قال، ثم قال في الآخر: قد يقول المسلم كفرًا"
(2)
.
قال ابن تيمية: "إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن
(1)
انظر مجموع الفتاوى 12/ 497، 498.
(2)
النهاية في غريب الحديث (ك ف ر).
تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات، لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه"
(1)
.
ويسوق ابن تيمية بعضًا من الأعذار الواردة على المعين، فيقول:"وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده، ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجماهير أئمة الإسلام"
(2)
.
وقال رحمه الله مبينا مذهب الإمام أحمد رحمه الله: "وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينه ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم، وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية "إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يُرى في الآخرة وغير ذلك"، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم
…
ومع هذا فالإمام أحمد ترحم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لم يُبَيَّن لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا
(1)
مجموع الفتاوى الكيلانية 12/ 487، 488. انظر لمزيد من التفصيل: مجموع الفتاوى 3/ 354، 12/ 498، 28/ 500، 35/ 165.
(2)
مجموع الفتاوى 23/ 346. وانظر أيضًا 3/ 231.
جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطئوا، وقلدوا من قال لهم ذلك"
(1)
.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش، لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال"
(2)
.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة إذا قال قولا يكون القول به كفرا، فيقال من قال بهذا القول فهو كافر، ولكن الشخص المعين إذا قال ذلك، لا نحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها"
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقد يكون الفعل أو المقالة كفرا ويطلق القول بتكفير من قال المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع"
(4)
.
وسئلت اللجنة الدائمة:
هل من حق العلماء أن يقولوا على شخص ما إنه كافر ويتهموه بالكفر؟
فأجابت بأن: "تكفير غير المعين مشروع بأن يقال: من استغاث بغير الله فيما دفْعُه من اختصاص الله كافر، كمن استغاث بنبي من الأنبياء أو ولي من الأولياء أن يشفيه أو يشفي ولده مثلًا.
(1)
مجموع الفتاوى 23/ 348، 349.
(2)
تلخيص كتاب الاستغاثة المعروف بالرد على البكري 2/ 494.
(3)
الدرر السنية 8/ 244.
(4)
مجموع الفتاوى 35/ 165.