الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
77 - التشبه
*
التشبه لغة: التشبه يعني المماثلة والمحاكاة والتقليد. قال الراغب: "الشِّبه والشَّبَه والشبيه حقيقتها في المماثلة"
(1)
.
وشرعًا: "هو عبارة عن محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبه به وعلى هيئته وحليته ونعته وصفته، أو هو عبارة عن تكلف ذلك وتقصده وتعلمه، قد يعبر عن التشبه بالتشكل والتمثل والتزيي والتحلي والتخلق"
(2)
.
وقال المناوي شارحًا معنى من تشبه بقوم: "أي: تزيَّا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم بعض أفعالهم أي وكأن التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر والباطن"
(3)
.
وقال عثمان دوكري: "هو تمثل المسلم بالكفار في عقائد أو عباداتهم أو أخلاقهم أو فيما يختصون به من عادات أو خضوعه لهم بشكل من الأشكال"
(4)
.
* التمهيد لابن عبد البر 5/ 15.الإبانة لابن بطة العكبري ص 168. شَرحُ السُنَّةِ للبَغوي 12/ 119. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 1/ 362، 425. منهاج السنة 4/ 155. مجموع الفتاوى 32/ 256.الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 504.الدرر السنية 15/ 363 - 380، 410. الدين الخالص لصديق حسين القنوجي 3/ 42. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 7/ 152، 175، 193، 194. مسائل الإمام أحمد في العقيدة 2/ 237. نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز آل عبد اللطيف ص 376. السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار لسهيل حسن عبد الغفار. التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي لجميل اللويحق.
(1)
المفردات 254.
(2)
التنبه لما ورد في التشبه للغزي الشافعي ق 2/ 2، نقلا عن كتاب السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار ص 35.
(3)
فيض القدير 6/ 104.
(4)
التدابير الواقية من التشبه بالكفار 11.
والتشبه يقع في الأمور القلبية من الاعتقادات والإرادات، ويقع في الأمور الخارجية الظاهرة من العبادات والعادات
(1)
.
قال ابن القيم: "لما قهر المسلمون أهل الذمة وصاروا تحت قهرهم وحكمهم ألزمهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بترك التشبه بالمسلمين كما أمر النبي بترك التشبه بهم فتضمن هذان الأصلان العظيمان مجانبتهم في الهدي الظاهر والباطن حتى في النعال فأمر النبي الأمة بالصلاة في نعالهم مخالفة لأهل الكتاب ونهاهم عمر رضي الله عنه أن يلبسوا نعال المسلمين"
(2)
.
* الأدلة من الكتاب: قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)} [البقرة: 120]، وقال تعالى:{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)} [البقرة: 145]، وقال تعالى:{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)} [الأعراف: 142]، وقال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} [الجاثية: 18]، وقال تعالى:({وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
(1)
فيض القدير 6/ 104.
(2)
أحكام أهل الذمة ص 1287، 1288.
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: 118].
* الأدلة من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"
(1)
.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفِّ"
(2)
.
وعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ حَتَى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ "
(3)
.
وروى الإمام أحمد عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيَحْمِلَنَّ شِرَارُ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى سَنَنِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ"
(4)
. وفي حديث ثوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "
…
وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ
…
" الحديث
(5)
.
وفي السنن لما قال بعض أصحابه اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط،
(1)
أخرجه أبو داود (4031)، وأحمد بلفظ أتم من ذلك (5114). وقال شيخ الإسلام في الحديث:"هذا إسناد جيد" انظر الاقتضاء 1/ 236 وصححه الألباني انظر إرواء الغليل 8/ 49 رقم 2384.
(2)
أخرجه الترمذي (2695).
(3)
أخرجه البخاري (3456)(7320).
(4)
الإمام أحمد (17265).
(5)
أبو داود (4252) وابن ماجه (3952).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر قلتم كما قال أهل الكتاب لموسى عليه السلام: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستركبون سنن من كان قبلكم"
(1)
.
وقوله: "لتركبن سنن من كان قبلكم" وقع على سبيل الذم.
وقد وردت أحاديث فيها الأمر بمخالفة اليهود والنصارى في أشياء مخصوصة منها: ما رواه الشيخان عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ"
(2)
.
وعن عبادة بن الصامت -رضى الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمرَّ به حَبرٌ من اليهود فقال: هكذا نفعل، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"اجلسوا، خالفوهم"
(3)
.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ"
(4)
. وفي رواية عند مسلم: "خَالِفُوا الْمَجُوسَ"
(5)
.
وفي رواية عند الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قَالَ: "أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا الشَّوَارِبَ وَغَيِّرُوا شَيْبَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى"
(6)
.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. عَجِّلُوا الْفِطْرَ فَإِنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ"
(7)
.
قال ابنُ تيمية: "كما أُمرنا بتعجيل الفطر والمغرب؛ مخالفة لأهل الكتاب
(1)
أخرجه أحمد (22242)، والترمذي (2180) والطيالسي في مسنده رقم (1443).
(2)
أخرجه البخاري (5899). ومسلم (2103).
(3)
سنن أبي داود (3176).
(4)
أخرجه البخاري (5892) واللفظ له. ومسلم (259).
(5)
أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (260).
(6)
أخرجه أحمد (8657).
(7)
سنن ابن ماجه (1688).
وبتأخير السحور، مخالفة لأهل الكتاب وكما أمرنا بالصلاة في النعلين مخالفة لليهود وهذا كثير في العبادات وكذلك في العادات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللحد لنا، والشق لغيرنا"، وسن توجيه قبور المسلمين إلى الكعبة تمييزًا لها عن مقابر الكافرين، فإن أصل الدفن من الأمور المشروعة في الأمور العادية"
(1)
.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللًا ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وأنه حينئذ يسجد لها الكفار، ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى وأكثر الناس قد لا يعلمون
(2)
.
وروى البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها كَانَتْ تَكَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ المصلي يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ إِنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ
(3)
.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة"
(4)
.
وقال شيخ الإسلام: بعدما ذكر حديث: "من تشبه بقومٍ فهو منهم": "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: "من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة"، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا لها
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 178.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 190.
(3)
أخرجه البخاري (3199).
(4)
السنن الكبرى للبيهقي 9/ 234.