الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن باز: "المجلات والجرائد التي بها أخبار مهمة ومسائل علمية نافعة وبها صور لذوات الأرواح يجوز شراؤها، والانتفاع بها من علم مفيد، وأخبار مهمة لأن المقصود منها ما فيها من العلم والأخبار، والصور تابعة، والحكم يتبع الأصل المقصود إليه دون التابع، ويجوز وضعها في المصلى مع إخفاء ما فيها من الصور بأي شكل لينتفع بما فيها من مقالات، أو طمس رؤوس الصور بما يذهب بمعالمها"
(1)
.
5 - اللُّعب المصورة للبنات وتنقسم إلى قسمين:
الأول: ما يوضع على هيئة لعبة ليس فيها أثر للصورة والتجسيم فهذا لا بأس فيه.
الثاني: ما وضع على صورة شيء من ذوات الأرواح.
قال النووي: "قوله: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت لنا تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبلته فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا" هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة"
(2)
.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبَّت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَبٍ، فقال:"ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهنَّ فرسًا له جناحان من رقاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه"
(3)
.
(1)
الجواب المفيد ص 41.
(2)
النووي 14/ 87.
(3)
أخرجه أبو داود (4932)، والنسائي في الكبرى (8950).
قال النووي رحمه الله: "وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره قال القاضي إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث -والله أعلم-"
(1)
.
قال ابن باز: "وأما اللُّعب المصورة على صورة شيء من ذوات الأرواح فقد اختلف العلماء في جواز اتخاذها للبنات وعدمه.
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة، قالت:"كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيُسَرِّبُهُن إليَّ يلعبن معي"
(2)
.
قال الحافظ في الفتح: استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع لعب البنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن. قال: وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ، وإليه مال ابن بطال، وحكئ عن أبي زيد عن مالك: أنه كره أن يشتري الرجل لبنته الصور، ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ.
وقد ترجم ابن حبان: "الإباحة لصغار النساء اللعب باللُّعب"
(3)
وترجم له النسائي: "إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات". فلم يقيد بالصغر وفيه نظر.
قال البيهقي: ثبت النهي عن اتخاذ الصور، فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كانت قبل التحريم، وبه جزم ابن الجوزي -إلى أن قال- وأخرج أبو داود
(1)
النووي 14/ 82.
(2)
أخرجه البخاري (6130) ومسلم (2440).
(3)
انظر: صحيح ابن حبان 7/ 543.
والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر -فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها- قالت: فكشف ناحية الستر على بنات لعب لعائشة، فقال:"ما هذا يا عائشة؟ " قالت: بناتي. قالت: ورأى فيها فرسًا مربوطًا له جناحان، فقال:"ما هذا؟ ". قلت: فرس له جناحان. قلت: ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة؟ فضحك -إلى أن قال- قال الخطابي في هذا الحديث: أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغة.
قلت
(1)
: وفي الجزم به نظر، لكنه محتمل لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها. وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعًا، فيترجح رواية من قال: خيبر وجمع بما قال الخطابي، لأن ذلك أولى من التعارض
(2)
.
إذا عرفت
(3)
ما ذكره "الحافظ" فالأحوط ترك اتخاذ اللعب المصورة لأن في حلها شك لاحتمال أن يكون إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة قبل الأمر بطمس الصور فيكون ذلك منسوخًا بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها إلا ما قطع رأسه، أو كان ممتهنًا كما ذهب إليه البيهقي وابن الجوزي، ومال إليه ابن بطال.
ويحتمل أنها مخصوصة من النهي كما قاله الجمهور لمصلحة التمرين، ولأن في لعب البنات بها نوع امتهان، ومع الاحتمال المذكور والشك في حلها الأحوط تركها، وتمرين البنات بلعب غير مصورة حسمًا لمادة بقاء الصور المجسدة،
(1)
القائل هو الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-.
(2)
انظر: فتح الباري 10/ 527.
(3)
لازال النقل موصولًا من الجواب المفيد للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
وعملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"
(1)
"
(2)
.
قال الشيخ ابن عثيمين: "الصُّور التي يلعب بها الأطفال، وهذه تنقسم إلى قسمين:
الأول: قسمْ من الخِرَق والعِهْن وما أشبه ذلك، فهذه لا بأس بها؛ لأنَّ عائشة كانت تلعبُ بالبنات على عَهْد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكر عليها
(3)
.
الثاني: قسم من "البلاستيك" وتكون على صورة الإنسان الطبيعي إلا أنها صغيرة، وقد يكون لها حركة، وقد يكون لها صوت، فقد يقول لقائل: إنها حرام؛ لأنها دقيقة التَّصوير، وعلى صورة الإنسان تمامًا، أي: ليست صورة إجماليَّة ولكن صورة تفصيليَّة، ولها أعين تتحرَّك، وقد نقول: إنها مباحة؛ لأن عائشة كانت تلعب بالبنات، ولم يُنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن قد يقول القائل: إن الصُّور التي عند عائشة ليست كهذه الصُّور الموجودة الآن، فبينهما فرقٌ عظيم، فمن نظر إلى عموم الرُّخصة وأنَّه قد يُرخَّص للصِّغار ما لا يُرخَّص للكبار، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية باب السَّبْق، لما ذكر بعض آلات اللهو قال:"إنه يُرخَّصُ للصِّغار ما لا يُرخَّصُ للكبار"
(4)
، لأن طبيعة الصِّغار اللهو، ولهذا تجد هذه الصُّور عند البنات الصِّغار كالبنات حقيقة، كأنها ولدتها، وربما تكون وسيلة لها لتربِّي أولادها في المستقبل وتجدها تُسمِّيها أيضًا هذه فلانة وهذه فلانة، فقد يقول قائل: إنه يُرَخَّصُ لها. فأنا أتوقَّفُ في تحريمها، لكن يمكن التخلُّص من الشُّبهة بأن يُطمس وجهها"
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي (2418) والنسائي (5714)، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 3/ 169 رقم 1723 إسناده صحيح.
(2)
الجواب المفيد ص 33.
(3)
أخرجه البخاري (6130)، ومسلم (2440).
(4)
مجموع الفتاوى (30/ 216)، الاختيارات ص 160.
(5)
الشرح الممتع 2/ 248، 249.
والذي يظهر مما سبق إباحة اللعب للبنات ولكن كما قرره المنذري والحليمي من عدم وجود تفاصيل الصورة. قال الحليمي: "إن كانت صورة كالوثن لم يجز وإلا جاز"
(1)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "ومن زعم أن لعب عائشة صور حقيقية لذوات الأرواح فعليه إقامة الدليل، ولن يجد إلى ذلك سبيلًا فإنها ليست منقوشة ولا منحوتة ولا مطبوعة من المعادن المنطبعة ولا نحو ذلك، بل الظاهر أنها من عهن أو قطن أو خرق أو قصبة أو عظم مربوط في عرضه عودًا معترضًا بشكل يشبه الموجود في اللعب في أيدي البنات الآن في البلدان العربية البعيدة عن التمدن والحضارة مما لا تشبه الصورة المحرمة إلا بنسبة بعيدة جدًا"
(2)
.
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله: "وأما تسمية اللعب بنات كما في حديث عائشة رضي الله عنها فلا يلزم منه أنها كانت صورًا حقيقية كما قد يظن ذلك من قصُر فهمه بل الظاهر والله أعلم أنها كانت على نحو لعب بنات العرب في زماننا فإنهن يأخذن عودًا أو قصبة أو خرقةً ملفوفةً أو نحو ذلك فيضعن قريبًا من أعلاه عودًا معترضًا ثم يلبسنه ثيابًا ويضعن على أعلاه خمار المرأة وربما جعلنه على هيئة الصبي في المهد ثم يلعبن بهذه اللعب ويسمينهن بنات لهن على وفق ما هو مروي عن عائشة وصواحباتها رضي الله عنهن.
وقد رأينا البنات يتوارثن اللعب بهذه اللعب اللاتي وصفنا زمانا بعد زمان ولا يبعد أن يكون هذا التوارث قديمًا ومستمرًا في بنات العرب من زمن الجاهلية إلى زماننا هذه -والله أعلم-"
(3)
.
(1)
فتح الباري 10/ 527.
(2)
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 182).
(3)
إعلان النكير ص 99.