الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: "والظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم إرشادهم إلى التأدب مع الله في الألفاظ لأن استغاثتهم به صلى الله عليه وسلم من المنافق من الأمور التي يقدر عليها إما بزجره أو تعزيره ونحو ذلك، فظهر أن المراد بذلك الإرشاد إلى حسن اللفظ والحماية منه صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد"
(1)
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "قوله لا يستغاث بي يحتمل أمرين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع قتله لأنه كان ممنوعًا من قتله؛ لأجل أن لا يتحدث بأن محمدًا يقتل أصحابه فامتنع عن قتله.
الثاني: يحتمل - إن صح الخبر - أنه قاله سدًا للذريعة وإن كان قادرًا على التخلص منه حتى لا تقع منهم هذه الكلمة في أمور لا يقدر عليها"
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله (إنه لا يستغاث بي) ظاهر هذه الجملة النفي مطلقًا، ويحتمل أن المراد لا يستغاث به في هذه القضية المعينة.
فعلى الأولى: يكون نفي الاستغاثة هنا من باب سد الذرائع والتأدب في اللفظ، وليس من باب الحكم بالعموم؛ لأن نفي الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ليس على إطلاقه، بل تجوز
الاستغاثة به فيما يقدر عليه"
(3)
.
حكم الاستغاثة:
الاستغاثة أخص أنواع العبادة، فإخلاصها لله إيمان وتوحيد، أما الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو شرك وكفر
(4)
.
وقد تقدم في باب الاستعاذة أن جميع أنوع العبادات لا تصرف لغير الله، فمن
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 243.
(2)
من دروس الشيخ ابن باز على كتاب التوحيد.
(3)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 269. وانظر القول المفيد ط 1 - 1/ 279.
(4)
انظر تلخيص كتاب الاستغاثة ص 246، 265، القول السديد ص 51، 52.
صرف منها شيئًا لغير الله فهو مشرك كافر. والاستغاثة من نوع الدعاء والطلب؛ لأن فيها طلب الغوث أي الدعاء المشتمل على ذلك فهي من أهم أنواع العبادات.
قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: "فالاستغاثة المنفية نوعان:
أحدهما: الاستغاثة بالميت مطلقًا في كل شيء.
الثاني: الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق، فليس لأحد أن يسأل غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله لا نبيا ولا غيره"
(1)
.
وقال الشوكاني رحمه الله: "ولا خلاف أنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر على الغوث فيه من الأمور ولايحتاج مثل ذلك إلى استدلال فهو في غاية الوضوح وما أظنه يوجد فيه خلاف"
(2)
.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "والاستغاثة الشركية التي أنكرناها هي ما يأتي بيانه؛ وهي الاستغاثة بالغائب أو الميت أو الحي الحاضر الذي لا يقدر، وأما الجائزة فهي طلب الحي الحاضر"
(3)
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الاستغاثة أقسام:
الأول: الاستغاثة بالله عز وجل وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل وأتباعهم، ودليله ما ذكره الشيخ
(4)
رحمه الله قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين في ألف رجل وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعًا يديه مستقبل القبلة يقول: "اللهم أنجز لي
(1)
كتاب الاستغاثة في الرد على البكري ص 359. وانظر الفتاوى 1/ 329.
(2)
الدر النضيد ص 9.
(3)
شرح كشف الشبهات ص 119.
(4)
يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". وما زال يستغيث بربه رافعًا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله هذه الآية
(1)
.
الثاني: الاستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفا خفيا في الكون فيجعل لهم حظًا من الربوبية قال الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
الثالث: الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى} [القصص: 15].
الرابع: الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به فيمنع منه لهذه العلة، ولعلة أخرى وهي الغريق ربما اغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة"
(2)
.
وعلى هذا فإن الاستغاثة بالمخلوق على قسمين:
الأول: الاستغاثة بالأموات والغائبين، أو الاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله كالذي يستغيث عِنْدَ المرض أو خوف الغرق بالرسول أو البدوي فهذا شرك أكبر مخرج من الملة. قال الشيخ ابن قاسم: "وقد تبين من الآيات والأحاديث أن دعاء
(1)
أخرجه مسلم (1763).
(2)
شرح ثلاثة الأصول من مجموع الفتاوى 6/ 60، 61.