الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - إنكار النعم
*
النعم كلها من عِنْدَ الله تعالى ويجب القيام بحقوقها وإضافتها إلى الله قولا واعترافا حتى يسلم للمرء دينه ويتم توحيده. قال الإمام السعدي رحمه الله: "فمن أنكر نعم الله بقلبه ولسانه فذلك كافر ليس معه من الدين شيء"
(1)
. وسوف يأتي مزيد بحث في (كفر النعمة).
49 - أهل الأهواء
انظر باب (الهوى).
50 - أهل السنة والجماعة
*
قال ابن عثيمين رحمه الله: "أهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلميّة العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية، ولهذا سموا أهل السنة لأنهم متمسكون بها، وسمُّوا أهل
* انظر مراجع باب كفر النعمة.
(1)
القول السديد 117.
* التمهيد لابن عبد البر 10/ 21، 127، 274 - 284. الإبانة لابن بطة العكبري 270، 309، 359. تفسير القرطبي 1/ 415، 11/ 231، 18/ 160. الموافقات للشاطبي 4/ 3، 4. مجموع الفتاوى 19/ 306، 307، 308. جامع العلوم والحكم ص 230 دار الفكر. الدر السنية 9/ 95 - 107، 146، 197، 12/ 108. إرشاد الفحول للشوكاني ص 29، 833. الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 3/ 6. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 296. الآثار الواردة في سير أعلام النبلاء د: جمال بن أحمد 2/ 23، 97، 131، 135. منهج الإمام مالك في إثبات العقيدة ص 88. الماتريدية للشمس السلفي الأفغاني 1/ 165. منهج الشافعي في إثبات العقيدة ص 80. منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عثمان حسن 1/ 28، 82. موقف ابنِ تَيمِيةَ من الأشاعرة د المحمود 1/ 21. دعوة إلى السنة للرحيلي.
الجماعة، لأنهم مجتمعون عليها.
وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة"
(1)
.
ومصطلح (أهل السنة والجماعة) يتكون من شقين هما "السنة" و"الجماعة" وسوف نعرِّف كل واحدٍ منهما ونبيِّن معناه ثم نذكر ألقابًا أخرى يُعرف بها أهل السنة والجماعة.
السنّة: عرَّفها ابن الأثير في اللغة بأنها: "الطريقة والسيرة"
(2)
وهذا عام في السنة الحسنة والسيئة ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"
(3)
.
وخصها الأزهري بالطريقة المحمودة فقال: "السنة: الطريقة المستقيمة المحمودة
…
وسن فلان طريقًا من الخير يسنه: إذا ابتدأ أمرًا من البر لم يعرفه قومه فاستنوا به وسلكوه"
(4)
.
وقولهم: "هي السنة أي الطريقة التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر
(5)
، ولذلك صار لفظ السنة يطلق على ما كان محمودًا فيقال: فلان من أهل السنة أي من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة"
(6)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/ 37.
(2)
النهاية في غريب الحديث 2/ 409 (س ن ن).
(3)
أخرجه مسلم (1017).
(4)
تهذيب اللغة 12/ 298، 299 مادة (س ن ن).
(5)
مشارق الأنوار 2/ 223.
(6)
انظر: لسان العرب، مادة (س ن ن).
وأما في الاصطلاح: فقد اختلفت التعريفات وتنوعت بحسب العلم الذي يبحث عنه فتطلق السنة ويراد بها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي فهي عِنْدَ الأصوليين: تطلق على ما صدر عن الرسول من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هو معجز، ولا داخل في المعجز
(1)
.
ويراد بها في اصطلاح الفقهاء: مرادفة المندوب، وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن واجبًا
(2)
.
وفي اصطلاح المحدثين: قال النووي: "وتطلق سنته عليه الصلاة والسلام على الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
وقال ابن حجر في "الفتح": "هي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله"
(4)
.
وعرفها البعض بأنها: "كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية، أو سيرة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها"
(5)
.
وهذه هي أهم إطلاقات السنة عِنْدَ العلماء، والذي يهمنا هنا تعريفها في اصطلاح أئمة السنة المشتغلين بتقرير مذهب السلف الصالح في الاعتقاد حيث تطلق السنة عِنْدَهم في مقابل البدعة
(6)
، فيقال: فلان على السنة إذا عمل على وفق ما
(1)
الإحكام للآمدي 1/ 169.
(2)
فتح الباري 13/ 245، إرشاد الفحول ص 67.
(3)
تهذيب الأسماء واللغات 2/ 156.
(4)
فتح الباري 13/ 245.
(5)
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي ص 47.
(6)
قال السمعاني في الأنساب لما ذكر من نُسب إلى السنة قال: السُني: بضم السين المهملة، وتشديد النون المكسورة، هذه النسبة إلى السنة التي هي ضد البدعة، ولما كثر أهل البدع خصوا جماعة بهذا الانتساب (الأنساب 7/ 175).
عمل عليه الصلاة والسلام سواء كان ذلك مما نص عليه الكتاب أو لا
(1)
.
قال الإمام البربهاري: "اعلم أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر"
(2)
.
وقال أبو نصر السجزي الوائلي: "أهل السنة: هم الثابتون على اعتقاد ما نقله إليهم السلف الصالح رحمهم الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه رضي الله عنهم فيما لم يثبت فيه نص في الكتاب ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم رضي الله عنهم أئمة وقد أمرنا باقتفاء آثارهم واتباع سنتهم، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى إقامة برهان"
(3)
.
فإذا قيل عن رجل أنه صاحب سنة، فالمقصود به: أنه على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم من أمور الدين قولًا وعملًا واعتقادًا
(4)
.
كما يطلق لفظ أهل السنة في مقابل الرافضة، كما أن الرافضة يعنون به من عداهم.
وعليه فإن مصطلح أهل السنة له إطلاقان: عام، وخاص:
أما الإطلاق العام: فالمراد به ما يكون في مقابل الشيعة، فتدخل جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام - عدا الشيعة - في مفهوم أهل السنة، وعليه يصح تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة.
وأما الإطلاق الخاص: فالمراد به ما يكون في مقابل أهل البدع، والمقالات المحدثة كالشيعة، والخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، والأشاعرة، وغيرهم من أهل البدع، يقول ابنُ تَيمِيَّةَ: "فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافه الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة وقد يراد به أهل
(1)
الموافقات 4/ 4.
(2)
شرح السنة للإمام البربهاري 21.
(3)
الرد على من أنكر الحرف والصوت لأبي نصر ص 99.
(4)
انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابنِ تَيمِيَّةَ 19/ 306، 307.
الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى"
(1)
.
ويدل على ذلك بعض الآثار الواردة عن أئمة السنة فقد كان أئمة السلف يسمون، الاعتقاد الصحيح سنة
(2)
، كما قال سفيان بن عيينة:"السنة عشرة، فمتى كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئا فقد ترك السنة. ثم ذكر جملة من عقائد السلف"
(3)
.
وقال الإمام أبو بكر بن عياش رحمه الله، عِنْدَما سئل: من السني؟ فقال: "الذي إذا ذكرت الأهواء لم يتعصب لشيء منها"
(4)
.
ومنها قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله، عِنْدَما سئل: من أهل السنة؟ فقال: "أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به: لا جهمي ولا قدري ولا رافضي"
(5)
.
وقال الإمام الشافعي: "القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إلى إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء"
(6)
.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: "أصول السنة عِنْدَنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم
…
ثم ذكر جملة عقائد السلف"
(7)
.
وقال ابنُ تَيمِيَّةَ: "وأهل السنة نقاوة المسلمين"
(8)
.
(1)
منهاج السنة 2/ 221.
(2)
جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 230. ومجموع الفتاوى 19/ 306، 307.
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 175 رقم 316.
(4)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 73 رقم 53.
(5)
الانتقاء لابن عبد البر ص 35، وترتيب المدارك 2/ 41.
(6)
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم ص 59.
(7)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي 1/ 176 رقم 317.
(8)
منهاج السنة 5/ 158. وانظر 6/ 466.
وقال الإمام علي بن المديني رحمه الله: "السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها ثم ذكر مجمل اعتقاد السلف"
(1)
.
وصنف الأئمة على هذا المعنى فصار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم أن: "السنة عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكذلك في مسائل القدر، وفضائل الصحابة، وصنفوا في هذا العلم تصانيف وسموها كتب السنة، وإنما خصوا هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيها على شفا هلكة، وأما السنة الكاملة فهي الطريقة السالمة من الشبهات، والشهوات"
(2)
.
وحين صنف الأئمة كتبًا باسم السنة فإنهم يريدون بها الكلام في الأسماء والصفات، وأن القرآن كلام الله، والقضاء والقدر، ومسائل الإيمان والكفر، والمسائل المتعلقة بالبرزخ والآخرة، والموقف من الصحابة وولاة الأمور وما شابه ذلك من أبواب العقيدة.
والكتب التي سميت بالسنة كثيرة ألفها الأئمة في بيان عقائد السلف، منها كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب الاعتصام بالسنة للبخاري، والسنة لعبد الله ابن إمام أحمد بن حنبل، والسنة للخلال، والسنة لأبي بكر بن أبي عاصم، والسنة لأبي داود، وابن أبي حاتم، والطبراني، والطلمنكي، والبربهاري، وابن أبي زمنين، وغيرهم.
وبعدما عرفنا مصطلح "السنة" نأتي على أقوال أهل العلم في تعريف "الجماعة".
الجماعة في اللغة: من جمع، يقال: جمع المتفرق، والجماعة ضد الفرقة
(3)
.
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 185، رقم 318.
(2)
كشف الكربة ص 19، 20.
(3)
انظر: لسان العرب مادة (ج م ع)، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 157.
وفي الاصطلاح: ورد لفظ الجماعة في حديث: "يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ إلى النار"
(1)
، وحديث: "من أحب منكم أن ينزل بحبوحة
(2)
الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
…
"
(3)
.
وحديث: "فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية"
(4)
، وحديث:"كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"
(5)
، وقد اختلف أهل العلم في المراد بالجماعة في هذه الأحاديث ونحوها على أقوال
(6)
:
الأول: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، ويدخل فيهم مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها ومن سواهم داخلون في حكمهم.
الثاني: أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين، وهو اختيار البخاري رحمه الله حيث قال:"هم أهل العلم"
(7)
، واختاره الترمذي رحمه الله حيث قال:"هم أهل الفقه والعلم والحديث"
(8)
.
الثالث: أنها جماعة الصحابة على وجه الخصوص. فإنهم الذين أقاموا عماد الدين، وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلًا
(9)
.
(1)
أخرجه الترمذي (2167).
(2)
بحبوحة الجنة: أي وسطها وخيارها.
(3)
أخرجه الترمذي (2165) والإمام أحمد (177).
(4)
أخرجه البخاري (7054)، ومسلم (1849).
(5)
أخرجه أبو داود (4597) والإمام أحمد (17061) وقال ابن تيمية هذا الحديث محفوظ. اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 118.
(6)
انظر: الاعتصام للشاطبي 2/ 260 - 265، وانظر: تنبيه أولي الأبصار 269.
(7)
انظر: فتح الباري 13/ 328 كتاب الاعتصام بالسنة باب: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا (سورة البقرة: الآية 143) وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم.
(8)
سنن الترمذي، كتاب الفتن باب ما جاء في لزوم الجماعة، حديث رقم (2167).
(9)
الاعتصام 2/ 262، وانظر: فتح الباري 13/ 37.
الرابع: أنها جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمر ما، وهو الإجماع. فإذا اجتمع العلماء على أمر من أمور الشرع سواءً الأحكام أو المعتقدات فيلزم متابعة حكمهم والاعتصام به، وهذا يرجع إلى القول الأول والثاني.
الخامس: أنها جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فلا يجوز الخروج عليهم فيه. وهو اختيار أبي جعفر الطبري، حيث قال:"والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة"
(1)
.
السادس: أنها جماعة الحق، قال الإمام البربهاري في شرح السنة:"وهم جماعة الحق وأهله"
(2)
.
وقال ابن كثير: "فأهل الحق هم أكثر الأمة ولا سيما في الصدر الأول ولا يكاد يوجد فيهم من هو على بدعة، وأما في الأعصار المتأخرة فلا يعدم الحق عصابة يقومون به"
(3)
.
وهذه الأقوال حاصلها واحد وهو لزوم المنهج الحق الواضح الذي سنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلزم من ذلك تقديم أهل العلم والاجتهاد الذين التزموا بالاتباع وترك الابتداع إذ المُعَوَّلُ عليه اتباع الحق ولزومه وخير من يتّبع الحق ويلزمه العلماء أتباع السنة ولو كانوا قلّة المقتدون بالصحابة رضوان الله عليهم فإذا ظفر العبد بهم وجب عليه طاعتهم ولزوم ما التزموا، فالعلماء هم السواد الأعظم والعوام تبع لهم.
ومن صفاتهم أنهم يلزمون إمام المسلمين، إلا إذا رأوا كفرًا بواحًا، فيكون مدار
(1)
انظر: فتح الباري 13/ 37. وهذه الخمس الأولى ذكرها الشاطبي في الاعتصام 2/ 260 - 265.
(2)
شرح السنة للبربهاري ص 22.
(3)
النهاية في الفتن والملاحم 2/ 63.