الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل االجنة"
(1)
.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر"
(2)
. ومن ذلك دعاء الاستفتاح في قيام الليل: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"
(3)
.
*
توحيد الربوبية لا يكفي العبد في حصول الإسلام:
يقول الإمام المقريزي: "توحيد الربوبية هو الذي اجتمعت فيه الخلائق مؤمنها وكافرها، وتوحيد الإلهية مفرق الطرق بين المؤمنين والمشركين"
(4)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وطائفة ظنوا أن التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأن الله خالق كل شيء، وهو الذي يسمونه: توحيد الأفعال
…
إلى أن قال: وهذا التوحيد هو من التوحيد الواجب لكن لا يحصل به كل الواجب ولا يخلص بمجرده عن الإشراك الذي هو أكبر الكبائر، الذي لا يغفره الله، بل لا بد أن يخلص لله الدين والعبادة، فلا يعبد إلا إياه، ولا يعبده إلا بما شرع فيكون دينه لله"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (6323)، (6306).
(2)
أخرجه مسلم (2713).
(3)
أخرجه مسلم (770)، وأبو داود (767).
(4)
تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص 6.
(5)
اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 845. 846 وانظر شرح العقيدة الطحاوية 83 - 96 ط. المكتب الإسلامي.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "واعلم أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة إشراكهم أنهم يدعون الله، ويدعون معه الأصنام والصالحين؛ مثل عيسى، وأمه، والملائكة؛ يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله؛ وهم يقرون: أن الله سبحانه، هو: النافع، الضار، المدبر؛ كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [يونس: 31] "
(1)
.
وقد أفنى البعض عمره في إثبات هذا النوع مع أن النفوس قد فُطرت على الإقرار والإيمان به، وإنما تُنزل الكتب وتُرسل الرسل ويشرع الجهاد وتسير الكتائب من أجل توحيد الله بأفعال العباد وهو توحيد الألوهية.
ولذلك نجد أن أهل السنة والجماعة لم يعنوا كثيرًا في إيضاح توحيد الربوبية بل عنوا بتوحيد الألوهية، وبيانه، والدعوة إليه، والرد على من غلط فيه.
وإذا كان المشركون يقرون: أن الله سبحانه، هو: النافع، الضار، المدبر فإن كفر من أشرك مع الله غيره في الربوبية يعتبر أشد كفرًا من المشركين الذين أشركوا مع الله غيره في الألوهية.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقد دل القرآن العظيم على أن توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيده في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء، قال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]. وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} [الشعراء: 23]. تجاهل من عرف أنه عبد مربوب، بدليل قوله تعالى {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ
(1)
الدرر السنية 1/ 77.
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] الاية، وقوله {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّ} [النمل: 14]. وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله كما قال تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106] والآيات الدالة على ذلك كثير جدا"
(1)
.
وكذلك من ينكر الرب اليوم من الشيوعيين إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة وإلا فهم في الباطن لا بد أن يعترفوا بأن هناك ربًا يفتقر العباد إليه، وما من موجود إلا وله مُوجِد، وما من مخلوق إلا وله خالق وما من أثر إلا وله مؤثر قال الله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)} [الطور: 35 - 36].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى التوحيد، فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له.
وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث: وهو توحيد الأفعال وهو أن خالق العالم واحد، وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا: لا إله إلا الله، حتى قد يجعلون معنى الإلهية القدرة على الاختراع. ومعلوم أن المشركين من العرب الذين بُعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولا - لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء حتى إنهم كانوا مقرين بالقدر أيضا، وهم مع هذا مشركون.
وقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك ولكن غاية ما يقال: إن
(1)
تفسير الشنقيطي أضواء البيان 3/ 410، 414.