الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - أصول الدين
*
تقدم تعريف الأصول في باب (أصول الإيمان) والمراد به هنا تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وهناك نصوص لعلماء أهل السنة يثبتون فيها هذا التقسيم.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح حديث معاذ في بعثته إلى اليمن: "والبداءة في المطالبة بالشهادتين لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلا به"
(1)
.
وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في الموافقات: "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف كما أنها في أصول كذلك"
(2)
.
وفي بيان معنى الأصول يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين مسائل أصول والدقيق مسائل فروع، فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهر والمتواترة كالعلم بأن الله على كل شيء قدير وبكل شيء عليم وأنه سميع بصير، وأن القرآن كلام الله ونحو ذلك من القضايا المتواترة ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر، كما أن من جحد هذه كفر"
(3)
.
وقال أيضًا رحمه الله: "إذا عرف هذان النوعان، فمن الناس من يسمى العلم
* منهاج السنة 5/ 84 - 95، مجموع الفتاوى 6/ 56، 57، 23/ 346 - 350، النبوات ص 192، الصواعق المرسلة 2/ 613، إعلام الموقعين 4/ 218، معجم المناهي اللفظية، مادة (أصول وفروع)، تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشور ولباب لمحمد المقدم، دلائل الصواب في إبطال بدعة تقسيم الدين إلى قشور ولباب لسليم الهلالي.
(1)
إحكام الأحكام 3/ 183.
(2)
الموافقات 4/ 118.
(3)
مجموع الفتاوى 6/ 56، 57.
والاعتقاد والحكم والقول الخبري التابع علم الأصول، وأصول الدين أو علم الكلام أو الفقه الأكبر، ونحو ذلك من الأسماء المتقاربة وإن اختلفت فيها المقاصد والاصطلاحات، ويسمى النوع الآخر علم الفروع، وفروع الدين، وعلم الفقه والشريعة، ونحو ذلك من الأسماء وهذا اصطلاح كثير من المتفقهة والمتكلمة المتأخرين.
ومن الناس من يجعل أصول الدين اسمًا لكل ما اتفقت فيه الشرائع مما لا ينسخ ولا يغير، سواء كان علميًا أو عمليًا سواء كان من القسم الأول أو الآخر؛ حتى يجعل عبادة الله وحده ومحبته وخشيته ونحو ذلك من أصول الدين، وقد يجعل بعض الأمور الاعتقادية الخبرية من فروعه ويجعل اسم الشريعة ينتظم العقائد والأعمال ونحو ذلك، وهذا اصطلاح غلب على أهل الحديث والتصوف، وعليه أئمة الفقهاء وطائفة من أهل الكلام"
(1)
.
وأطلق بعض العلماء على العقيدة اسم "أصول الدين"
(2)
وذلك أن ملة النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى اعتقادات وعمليات، والمراد بالعمليات علم الشرائع والأحكام المتعلقة بكيفية العمل، كأحكام الصلاة والزكاة والبيوع وغيرها.
قال ابن أبي العز في مقدمة شرح الطحاوية: "أما بعد، فإنه لما كان علم أصول الدين أشرف العلوم، إذ شرف العلم بشرف المعلوم وهو الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ما قاله وجمعه في أوراق من أصول الدين (الفقه الأكبر) وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما
(1)
مجموع الفتاوى 19/ 134.
(2)
مثل الإبانة عن أصول الديانة لأبي حسن الأشعري ومسائل من أصول الديانات لأبي يعلي.
سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه
…
"
(1)
.
وقال في الدرة المضية:
وبعد فاعلم أن كل العلم
…
كالفرع للتوحيد فاسمع نظمي
لأنه العلم الذي لا ينبغي
…
لعاقل لفهمه لم يبتغ
(2)
وهذا وإن كان مصطلحًا إلا أن هناك إشكالًا في بعض الأقوال في التفريق بين الأصول والفروع.
فمن قائل: إن مسائل الأصول هي العلمية الاعتقادية التي يُطلب فيها العلم والاعتقاد فقط، ومسائل الفروع هي العملية التي يُطلب فيها العمل وهذا مردود بأن المسائل العملية منها ما يكفر جاحده مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة وصيام رمضان، كما أن المسائل العلمية فيها ما لا يأثم المنتازعون عليه كتنازع الصحابة: هل رأى محمدٌ ربَّه؟
ومن قائل: إن المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي والفرعية ما ليس عليها دليل قطعي وهذا الفرق خطأ أيضًا فقد كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طائفة أكلوا بعد طلوع الفجر حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يؤثمهم النبي صلى الله عليه وسلم فضلًا عن تكفيرهم وخطؤهم قطعي.
ومن قائل: أن المسائل الأصولية هي المعلومة بالعقل والمسائل الفرعية هي المعلومة بالشرع قالوا: فالأول كمسائل الصفات والقدر، والثاني: كمسائل الشفاعة وخروج أهل الكبائر من النار وهذا مردود بأن الكفر والفسق أحكام شرعية ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل فالكافر من جعله الله ورسوله
(1)
شرح العقيدة الطحاوية 1/ 5، 6.
(2)
الدرة المضيّة مع شرحها لوامع الأنوار البهية 1/ 55.
كافرًا، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقًا
(1)
.
وأما إذا استخدم هذا الاصطلاح كما يفعل المعتزلة حيث جعلوا الأصول الخمسة هي أصول الدين فإنه ينكر عليهم أشد الإنكار، وكذلك ينكر على الشيعة الذين جعلوا الإمامة من أهم أصول الدين.
وقد رد شيخ الإسلام على من أدخل في أصول الدين ما ليس منه فقال رحمه الله تعالى: "وإنما الغرض التنبيه على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين.
وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من أصول الدين، وإن أدخله فيه، مثل المسائل والدلائل الفاسدة مثل نفي الصفات والقدر، ونحو ذلك من المسائل، ومثل الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأعراض التي هي صفات الأجسام القائمة بها إما الاكوان وإما غيرها"
(2)
.
وقال رحمه الله: "والسلف والأئمة الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين"
(3)
.
وقال أيضًا: "ومن تدبر هذا رأى أهل البدع من النفاة يعتمدون على مثل هذا فيبتدعون بدعًا بآرائهم ليس فيها كتاب ولا سنة ثم يُكفِّرون من خالفهم فيما ابتدعوه، وهذا حال من كفر من الناس بما أثبتوه من الأسماء والصفات التي يسميها هو تركيبًا وتجسيمًا .. ونحو ذلك من الأقوال التي ابتدعها الجهمية والمعتزلة، ثم كفروا من خالفهم فيها، والخوارج الذين تأوّلوا آيات القرآن
(1)
منهاج السنة لابن تيمية 5/ 88 - 92.
(2)
درء التعارض 1/ 38، وانظر أيضًا مختصر الفتاوى المصرية ص 222.
(3)
درء التعارض 1/ 24.
وكفَّروا من خالفهم فيها أحسن حالًا من هؤلاء، فإن أولئك علَّقوا الكفر بكلام ما أنزل الله به من سلطان"
(1)
.
وقال أيضًا: "وهذا كما أن طائفة من أهل الكلام يسمى ما وضعه أصول الدين، وهذا مسمى عظيم، والمسمى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم، فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك، قال المبطل قد أنكروا أصول الدين، وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين، وهي أسماء سموها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، فالدين ما شرعه الله ورسوله وقد بين أصوله وفروعه، ومن المحال أن يكون الرسول قد بيَّن فروع الدين دون أصوله كما قد بيَّنا هذا في غير هذا الموضع"
(2)
.
وقال أيضًا: "وقد تقدم التنبيه على منشأ الضلال في هذا السؤال وأمثاله وما في ذلك من العبارات المتشابهات المجملات المبتدعات سواء كان المحدَث هو اللفظ ودلالته، أو كان المحدث هو استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى، كلفظ "أصول الدين" حيث أدخل فيه كل قوم من المسائل والدلائل ما ظنوه هم من أصول دينهم، وإن لم يكن من أصول الدين الذي بعث الله به ورسله، وأنزل به كتبه"
(3)
.
وقال رحمه الله: "المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين، وأهم المطالب في الدين ينبغي أن يكون ذكرها في كتاب الله تعالى أعظم من غيرها، وبيان الرسول لها أولى من بيان غيرها، والقرآن مملوء بذكر توحيد الله تعالى، وذكر أسمائه وصفاته وآياته وملائكته .. والفرائض بخلاف الإمامة .. ومعلوم أن القرآن لم يدل على هذا كما دل
(1)
درء تعارض العقل والنقل 1/ 145.
(2)
مجموع الفتاوى 4/ 56.
(3)
درء التعارض 1/ 73.