الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - موقف أهل السنة والجماعة من المبتدعة:
لقد كان أئمة السلف حريصين كل الحرص على مواجهة البدعة والرد على المبتدعة والتحذير من البدع عموما ويحصل ذلك إما بالمناصحة أو الإنكار أو ببيان حاله والتحذير منه والرد عليه أو يكون بالهجر فإن أصر على بدعته ودعا إليها لإضلال الناس فإن أكثر السلف يأمرون بردعه وإنزال العقوبة به لأجل إفساده في الدين وإليك بيان ذلك بنقول عنهم:
عن أيوب قال: "لقيني سعيد بن جبير فقال: ألم أرك مع طلق؟ قلت: بلى فما له؟ قال: لا تجالسه فإنه مرجيء. قال أيوب: وما شاورته في ذلك، ولكن يحق للرجل المسلم إذا رأى من أخيه شيئًا يكرهه أن ينصحه"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن أظهر المنكر وجب عليه الإنكار وان يهجر وبذم على ذلك فهذا معنى قولهم ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له بخلاف من كان مستترًا بذنبه مستخفيًا فان هذا يستر عليه، لكن ينصح سرًا ويهجره من عرف حاله حتى يتوب ويذكر أمره على وجه النصيحة"
(2)
.
وقال رحمه الله: "
…
وقال بعضهم لأحمد بن حنبل إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكتَ أنت وسكتُ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟
ومثل ذلك أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في
(1)
البدع لمحمد بن وضاح ص 52.
(2)
مجموع الفتاوى 28/ 220.
أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبَيَّنَ أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً
…
وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون، وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله:{جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} في آيتين من القرآن، فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعًا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تُبيَّن للناس فسد أمرُ الكتاب وبُدِّل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله"
(1)
.
ومما جاء عن الأئمة في تعليقه على الداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "
…
وهذا لأن المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب هو إقامة القسط كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} وإذا كان الأمر كذلك فعقوبة الدنيا غير مستلزمة لعقوبة الآخرة ولا بالعكس ولهذا أكثر السلف يأمرون بقتل الداعي إلى البدعة الذي يضل الناس لأجل إفساده في الدين سواء قالوا هو كافر أو ليس بكافر
…
"
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى 28/ 231 - 232، وانظر للاستزادة حول ذلك محاضرات في العقيدة والدعوة 1/ 17 للشيخ صالح الفوزان.
(2)
مجموع الفتاوى 12/ 500.
وقال رحمه الله: "والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل وتارة بما دونه كما قتل السلف جهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهم، ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله"
(1)
.
وقال أيضًا: "وكذلك المبتدع الذي خرج عن بعض شريعة رسول الله وسنته واستحل دماء المسلمين المتمسكين بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته وأموالهم هو أولى بالمحاربة من الفاسق وإن اتخذ ذلك دينًا يتقرب به إلى الله كما أن اليهود والنصارى تتخذ محاربة المسلمين دينًا تتقرب به إلى الله؛ ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمر بقتال الخوارج عن السنة وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم وشهد لبعض المصرّين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه مع عبادتهم وورعهم أنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية"
(2)
.
وقال: "وأما الواحد المقدور عليه من الخوارج والرافضة فقد روى عنهما أعني عمر وعلي قتلهما أيضًا والفقهاء، وإن تنازعوا في قتل الواحد المقدور عليه من هؤلاء فلم يتنازعوا في وجوب قتالهم إذا كانوا ممتنعين، فإن القتال أوسع من القتل كما يقاتل الصائلون العداة والمعتدون البغاة وإن كان أحدهم إذا قُدر عليه لم يعاقب إلا بما أمر الله ورسوله به، وهذه النصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في
(1)
مجموع الفتاوى 35/ 413 - 415.
(2)
مجموع الفتاوى 28/ 470، 471.