الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الدليل من السنة:
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام: قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الإِيمَانِ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ
…
" الحديث
(1)
.
*
والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجود الله تعالى.
الثاني: الإيمان بربوبيته
(2)
.
الثالث: الإيمان بألوهيته
(3)
.
الرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته
(4)
.
وقد فصَّل الشيخ ابن عثيمين في شرح هذه المضامين الأربع ونكتفي هنا بما ذكره عن الأول لأن الثلاث الباقيات جعلنا لكل واحدة منها بابًا منفردًا. قال ابن عثيمين في شرح الإيمان بوجود الله تعالى: "قد دل على وجوده تعالى الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
1.
أما دلالة الفطرة على وجوده:
فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
انظر باب توحيد الربوبية.
(3)
انظر باب توحيد الألوهية.
(4)
انظر باب توحيد الأسماء والصفات.
(5)
أخرجه البخاري (1358) ومسلم (2658).
2.
وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى:
فلأن هذه المخلوقات سابقها ولا حقها لا بد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا؟!
ولا يمكن أن توجد صدفة، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعا باتا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال بقائه وتطوره؟
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها، ولا أن توجد صدفة تعين أن يكون لها موجود وهو الله رب العالمين.
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطّور، حيث قال:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] أفيجوز أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه وسمائه، وأفلاكه وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه، أو وجد صدفة بدون موجد؟!
3.
وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى:
فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من لأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به.
4.
وأما أدلة الحس على وجود الله فمن وجهين:
أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى:{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} [الأنبياء: 76] وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9].
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أعرابيًا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال:"اللهم حواليْنا ولا عليْنا، فما يشير بيده إلى ناحية إلا انفرجت"
(1)
.
وما زالت إجابة الداعين أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة.
الوجه الثاني: أن آيات الأنبياء التي تسمى "المعجزات" ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدا لرسله ونصرا لهم.
مثال ذلك: آية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثني عشر طريقًا يابسًا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63].
ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى عنه:{وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49]، وقال: {وَإِذْ تُخْرِجُ
(1)
أخرجه البخاري (933)، ومسلم (897).