الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر:
قال بعض العلماء: "لا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة ولا القطع بأن الملائكة خير منهم لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة وليس ها هنا شيء من ذلك"
(1)
.
والتحقيق أن الملائكة لهم فضل عظيم ولكن صالحي بني آدم من الأنبياء وأتباعهم أفضل من الملائكة وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم التفضيل بذلك فعن عبد الله بن عمرو أنه قال: "إن الملائكة قالت يا رب جعلت بنى آدم يأكلون في الدنيا ويشربون ويتمتعون فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا قال لا أفعل ثم أعادوا عليه فقال لا أفعل ثم أعادوا عليه مرتين أو ثلاثا فقال وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان"
(2)
.
وهذا الحديث أصح ما في هذا الباب وقد احتج به ابن تيمية وابن القيم وذكرا ما يدل على سلامة سنده "وقد جاء عن الإمام أحمد أنه كان يفضل صالحي المؤمنين على الملائكة ويخطئ من يفضل الملائكة على بني آدم"
(3)
.
وقد ذكر ابن تيمية هذه المسألة وفصل فيها تفصيلًا طويلًا في مجموع الفتاوى
(4)
وقرر فيه مذهب أهل السنة تفضيل صالحين البشر على الملائكة.
فقال رحمه الله بعد ذكر بعض الأحاديث في ذلك: "وأقل ما في هذه الآثار أن السلف
(1)
تفسير القرطبي 1/ 289.
(2)
أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي 346 والطبراني في الكبير والأوسط قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 82. وسمعت شيخنا ابن باز يقول سنده جيد. وقال ابن تيمية: "ورواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا" مجموع الفتاوى 4/ 344 وهو في كتاب السنة للإمام عبد الله بن أحمد 2/ 469.
(3)
طبقات الحنابلة 2/ 279 و 306.
(4)
انظر الجزء الرابع، من ص 350 إلى ص 392.
الأولين كانوا يتناقلون بينهم أن صالحي البشر أفضل من الملائكة من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك، إنما ظهر الخلاف بعد تشتت الأهواء بأهلها وتفرق الآراء فقد كان ذلك المستقر عندهم"
(1)
، وقال:"وقد كان السلف يحدثون الأحاديث المتضمنة فضل صالح البشر على الملائكة وتروى على رؤوس الناس ولو كان هذا منكرًا لأنكروه فدل على اعتقادهم ذلك"
(2)
.
ونقل عنه تلميذه ابن القيم: "أنه سئل عن صالحي بني آدم والملائكة أيهما أفضل؟ فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية والملائكة أفضل باعتبار البداية، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى منزّهين عما يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر وأما يوم القيامة بعد دخول الجنة فيصير حال صالحي البشر أكمل من حال الملائكة"، ثم قال:"وبهذا التفصيل يتبين سر التفضيل وتتفق أدلة الفريقين ويصالح كل منهم على حقه"
(3)
.
قال العلامة محمد السفاريني:
وعندنا تفضيل أعيان البشر
…
على ملاك ربنا كما اشتهر
قال ومن قال سوى هذا افترى
…
وقد تعدى في المقال واجترى
(4)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
أيهما أفضل الملائكة أم الصالحون من البشر؟
فأجاب بقوله: "هذه المسألة وهي المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من
(1)
الفتاوى 4/ 370، 369.
(2)
الفتاوى 4/ 371.
(3)
بدائع الفوائد 3/ 163 ولوامع الأنوار للسفاريني 2/ 398.
(4)
لوامع الأنوار 2/ 398.
البشر محل خلاف بين أهل العلم وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص، ولكن القول الراجح أن يقال: إن الصالحين البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية فإن الله سبحانه وتعالى يعد لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم، بل إن الملائكة في مقرهم أي في مقر الصالحين وهو الجنة يدخلون عليهم من كل باب {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24].
أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل لأنهم خلقوا من نور وجبلوا على طاعة الله عز وجل والقوة عليها كما قال الله تعالى في ملائكة النار: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وقال عز وجل:{وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 - 20] هذا هو القول الفصل في هذه المسألة.
وبعد فإن الخوض فيها وطلب المفاضلة بين صالحي البشر والملائكة من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به والله المستعان"
(1)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 1/ رقم (107).