الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "أي: إنه يكفر بذلك
(1)
، لاستخفافه بجانب الربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، ولهذا أجمع العلماء كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعًا"
(2)
.
وفي قوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]. الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك، بل يكفر، وعلى أن الشاك كافر باطل بطريق الأولى نبه عليه شيخ الإسلام
(3)
.
قال ابن عثيمين رحمه الله "والظاهر أن المراد من هزل بشي فيه ذكر الله مثل الأحكام الشرعية، أو هزل بالقرآن أو هزل بالرسول صلى الله عليه وسلم فيكون معطوفا على قوله بشيء"
(4)
.
وقد ذكره الشيخ أيضًا في نواقض الإسلام فقال الناقض السادس: "من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر".
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "ومن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم، وأهله، وعدم احترامهم لأجله"
(5)
.
حكم الاستهزاء بالدين:
قال الشيخ صالح آل الشيخ: "الاستهزاء بالدين فيه تفصيل، فإن المستهزئ بالدين، أو السابَّ له، أو اللاعن له، قد يريد دين المُستَهزأ به، ولا يريد دين
(1)
يقصد ما ذكر في الآية، وبوبه الإمام وهو ثلاثة: الله، القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
تيسير العزيز الحميد ص 627.
(3)
تيسير العزيز الحميد ص 628.
(4)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 851. وانظر القول المفيد ط 1 - 3/ 25.
(5)
قرة عيون الموحدين ص 217.
الإسلام أصلًا، فلا يرجع استهزاؤه إلى واحد من الثلاثة؛ فلهذا نقول: الكفر يكون أكبر إذا كان الاستهزاء بأحد الثلاثة التي ذكرنا ونصت عليها الآية، أو كان راجعًا إلى أحد الثلاثة.
أما إذا كان الاستهزاء بشيء خارج عن ذلك، فإنه يكون فيه تفصيل: فإن هزل بالدين، فيُنظر هل يريد دين الإسلام، أو يريد تدين فلان؟ ومثال ذلك: أن يأتي واحد من المسلمين ويستهزئ - مثلًا - بهيئة أحد الناس وهيئته يكون فيها التزام بالسنة، فهل يكون هذا مستهزئًا الاستهزاء الذي يخرجه من الملة؟ الجواب: لا؛ لأن هذا الاستهزاء راجع إلى تدين هذا المرء، وليس راجعًا إلى الدين أصلًا، فيُعرَّف بأن هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عَلِمَ أنه سنة، وأقرَّ بذلك، وأن النبي فعله ثم استهزأ، بمعنى: استنقص أو هزأ بالذي اتبع السنة مع علمه بأنها سنة وإقراره بصحة كونها سنة فهذا رجع إلى الاستهزاء بالرسول.
وكذلك الاستهزاء بكلمات قد يكون مرجعها إلى القرآن، وقد لا يكون مرجعها إلى القرآن فيكون فيه تفصيل، فالخلاصة - إذًا - أن الاستهزاء إذا كان بالله، أو بصفاته، أو بأسمائه، أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو بالقرآن فإن هذا كفر، وإن كان الاستهزاء غير ذلك فينظر: إن كان راجعًا إلى أحد الثلاثة فهو كفر أكبر، وإن كان غير ذلك فإنه يكون محرمًا ولا يكون كفرًا أكبر"
(1)
.
وهكذا القول في حكم الاستهزاء بالمتمسك بالدين:
فإن له حالتين:
الحالة الأولى: الاستهزاء بالمسلم لعيب خُلُقي، أو خَلقي مستقذر وذلك: كالاستهزاء بالطول والقصر، والعرج والعور، والعجلة والحماقة، والغضب والبلاهة وما شابه ذلك.
(1)
التمهيد لشرح كتاب التوحيد 482، 483.
وهذا القسم حكمه التحريم؛ إذ هو كبيرة من كبائر الذنوب، التي حذر الله عباده المؤمنين من الوقوع فيها، ورتب على اقترافها عذابا أليما، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
فمن وقع في مثل هذا فإنما عليه الإقلاع، والتوبة النصوح، وعقد العزم على أن لا يعود
(1)
.
الحالة الثانية: الاستهزاء بالمسلم لتمسكه بدين الإسلام وهذا كفر
(2)
.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله بآياته وبشرعه وأحكامه من جملة أنواع الكفر لقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66] ويدخل في ذلك الاستهزاء بالتوحيد، أو بالصلاة، أو بالزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها.
أما الاستهزاء بمن يعفي لحيته أو يقصر ثيابه ويحذر الإسبال أو نحو ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها جاهلًا، فهذا فيه تفصيل، والواجب الحذر من ذلك، ونصيحة من يعرف منه شيء من ذلك حتى يتوب إلى الله سبحانه ويلتزم بشرعه، ويحذر الاستهزاء بمن تمسّك بالشرع في ذلك، طاعة لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذر من غضب الله وعقابه والردة عن دينه وهو لا يشعر"
(3)
.
(1)
انظر في ذلك القول المبين، عبد السلام بن برجس ص 22.
(2)
ينظر فتاوى اللجنة 2/ 26.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز ص 534.
وقال أيضًا رحمه الله: "من يستهزئ بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر سواء أكان ذلك في احتجاب المسلمة احتجابًا شرعيًا أم في غيره لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عِنْدَ اللقاء. فقال رجل: كذبت، ولكنك منافق. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبد الله ابن عمر: وأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66] فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله. وبالله التوفيق"
(1)
.
وذكر العلامة ابن حجر الهيثمي عن بعض الأئمة الحنفية في كتاب ألّفه فيما يكون به المسلم مرتدًا، ذكر في الفصل الأول وهو ما اتفق العلماء عليه من المكفرات:
"أو قال العلم الذي يتعلمونه أساطير وحكايات أو هذيان أو هباء أو تزوير، أو قال: إيش مجلس الوعظ؟ أو العلم لا يُثرِد. أو وعظ على سبيل الاستهزاء، أو ضحك على وعظ العلم، أو قال لرجل صالح: كن ساكنًا حتى لا نقع إلا وراء الجنة، أو قال: إيش هذا القبيح الذي خففت شاربك، أو قال: بئسما أخرجت السنة
…
".
ثم عقب عليه بقوله رحمه الله: "وما ذكره في إيش مجلس الوعظ
…
الخ إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ، وكذا إن أُطلِق على احتمال قوي فيه لظهور هذا اللفظ في الاستخفاف بمجلس الوعظ والعلم وما ذكره في الوعظ استهزاء، إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ، وكذا بالوعظ من حيث هو وعظ. أما لو أراد الاستهزاء
(1)
مجموع فتاوى ابن باز ص 533.