الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضرهم من خذلهم" .. الحديث. والقول بأن كل المجتمع كافر أو أن كل من على الأرض كافر قول باطل وخطير ومصادم للنصوص الدالة على ثبات الحق وبقاء أهله إلى قيام الساعة ومن النصوص الدالة على ذلك أيضًا ما ورد في وصف الغرباء جاء في رواية قيل: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". وفي لفظ آخر: "الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي"
(1)
.
قال الشيخ ابن باز: "وهكذا في آخر الزمان هم الذين يستقيمون على دين الله عندما يتأخر الناس عن دين الله وعندما يكفر الناس وعندما تكثر معاصيهم وشرورهم يستقيم هؤلاء الغرباء على طاعة الله ودينه فلهم الجنة والسعادة ولهم العاقبة الحميدة في الدنيا وفي الآخرة"
(2)
.
ومن الافتراءات الباطلة ما زعمه بعض المفترين من أن الشيخ محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله يكفر المسلمين عموما وهذا والله استطالة في عرض الشيخ وبهتان نبرأ إلى الله منه وهذه كتبه مجموعة كاملة بين أيدينا ليس فيها شيء من ذلك إنما فيها تكفير من ثبت كفره بعمله أو معتقده وقامت عليه الحجة وانتفت عنه الموانع.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم: "وزعموا أن الشيخ رحمه الله يكفر المسلمين وحاشاه ذلك؛ بل لا يكفر إلا من عمل مكفرًا وقامت عليه الحجة، فأجابهم المصنف بهذا الكتاب
(3)
، وكشف شبههم بما تطمئن به الألباب"
(4)
.
*
التنبيه الثالث: لا يلزم من قتال فئة من المسلمين تكفيرهم
لأن القتل أو
(1)
سيأتي تخريج هذه الأحاديث في (الغرباء).
(2)
نور على الدرب ص 16.
(3)
يعني كتاب كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب.
(4)
من شرح كتاب كشف الشبهات ص 13.
القتال قد يوجد من غير ردة كقتال البغاة والمحاربين وعلي رضي الله عنه قاتل الخوارج ولم يحكم بكفرهم ومعلوم اختلاف العلماء في الخوارج وأنهم ليسوا كفارا وبعض العلماء يكفرهم وفي ذلك خلاف يطول التفصيل فيه، والراجح عدم كفرهم وهو قول علي رضي الله عنه حين سئل: أكفّار هُم؟ فقال: "من الكفر فروا"
(1)
.
ومعلوم من أقوال الأئمة قتال مانعي الزكاة وقتال تاركي شعائر الإسلام الظاهرة، قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله:"الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها، وهو من فروض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلم يجز تعطيله كالجهاد، فإن اتفق أهل بلد على تركه قُوتلوا عليه"
(2)
.
وقال عن صلاة العيدين بعدما ذكر أنها فرض كفاية: "فإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان"
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك مانعوا الزكاة؛ فإن الصدِّيق والصحابة ابتدؤوا قتالهم، قال الصديق: والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، وهم يقاتلون إذا امتنعوا من أداء الواجبات وإن أقروا بالوجب، ثم تنازع الفقهاء في كفر من منعها وقاتل الإمام عليها مع إقرار بالوجوب؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، كالروايتين عنه في تكفير الخوارج، وأما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين؛ فإن القرآن قد نص على إيمانهم وإخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي"
(4)
.
ويحسن بنا أن نتناول كلام الأئمة في قتال الطائفة الممتنعة فقد قرر ابن تيمية
(1)
انظر مجموع الفتاوى 3/ 7، 382/ 217، 218 - 28، 500، 518.
(2)
الكافي 1/ 127.
(3)
الكافي 1/ 384.
(4)
مجموع الفتاوى 35/ 57.
اتفاق العلماء على وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، وإن كانت مقرة بتلك الشريعة، فيقول: "كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة
…
فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة
…
فاتقق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملًا بالكتاب والسنة
…
إلى أن قال: فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر، والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضًا: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة؛ فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله
…
"
(2)
.
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن ذلك بما يأتي:
هل تكفير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله للطائفة الممتنعة من أداء شعيرة الزكاة حين فعل هذا من فعله من العرب لأجل جحدهم للوجوب أو لأجل مجرد المنع وعدم الالتزام بالأداء؟
(1)
مجموع الفتاوى 28/ 502، وانظر: الفتاوى 28/ 519.
(2)
مجموع الفتاوى 28/ 519. وانظر أيضًا: 28/ 530، 531.
فأجاب بقوله: "هذا فصل فيه أهل العلم، قالوا: إن مانع الزكاة إن كان يجحد وجوبها فهذا كافر ويقاتل قتال ردة، وأما إن كان منعه لها من أجل بخل وهو يعتقد وجوبها فهذا يقاتل لأجل أخذ الزكاة منه؛ لأنه حق واجب عليه لغيره وامتنع من أدائه، وهو شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، حتى يخضع لأداء الزكاة فلا يحكم بكفره، فيقاتل لمنعه الزكاة إذا كان له شوكة تدافع عنه حتى تُؤخذ منه.
وأما ما نسب إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية أنه كفّرهم مطلقًا فأنا لم أطلع على هذا الكلام. لكن العلماء قالوا: يقاتل من امتنع من شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام مثل الأذان والإقامة وليس من لازم ذلك أنه يكفر، بل يُقاتَل لأجل إقامة الشعيرة الظاهرة"
(1)
.
وسئل الشيخ عبد العزيز الراجحي عن هذه المسألة، فأجاب حفظه الله بقوله: "أهل الردة الذين ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أقسام:
منهم من رجع إلى الأصنام والأوثان فعبدها.
ومنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لو كان نبيًا ما مات، وهؤء كفار لا إشكال فيهم.
ومنهم من منع الزكاة. والصحابة قاتلوهم جميعًا ولم يفرّقوا بينهم وسموهم المرتدين، والذي منع الزكاة قال العلماء: إنما كفر؛ لأنه إذا منعها وقاتل عليها دل على جحوده إياها؛ لأنه فعل أمرين: منعها، وقاتل عليها.
أما إذا منعها ولم يقاتل عليها فإنها تُؤخذ منه ويؤدَّب ولا يكفر، ولكن إن منعها وقاتل عليها فإنه يكفر؛ لأن هذا دليل على جحوده، والمرتدون الذين منعوا الزكاة منعوها وقاتلوا عليها فدل على أنهم جحدوها، ولهذا عاملهم الصحابة معاملة
(1)
مسائل في الإيمان ص 32، 33.