الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ من هذا الرجل فيغفر الله خطاه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم
…
"
(1)
.
وقال رحمه الله: "وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقصد الحق فأخطأ، لم يكفر بل يغفر له خطأه ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر. ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقا، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأجمع الصحابة وسائر أئمة المسلمين على أنه ليس كل من قال قولا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك، وإن كان قوله مخالفا للسنة، فتكفير كل مخطئ خلاف الإجماع"
(3)
.
* تنبيه: يلاحظ ارتباط الخطأ بالجهل والتأويل لأن من جهل أو تأول أوقعه ذلك في الخطأ قال شيخ الإسلام: "فالخطأ والنسيان هو من باب العلم يكون إما مع تعذر العلم عليه أو تعسره عليه" (
4).
4 -
التأويل:
العذر بالتأويل داخل ضمن أقسام الخطأ لأنه عارض يطرأ في موانع التكفير.
قال ابن عثيمين: "ومن الموانع أيضا أن يكون له شبهة تأويل في الكفر بحيث يظن أنه على حق؛ لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلًا في قوله تعالى: {وَلَيْسَ
(1)
الاستقامة 1/ 164، 165، وانظر: 3/ 231 - 12/ 490، وغيرها.
(2)
مجموع الفتاوى 12/ 180، وانظر 19/ 190، 192، 3/ 420.
(3)
مجموع الفتاوى 7/ 685 وانظر 20/ 27، 28 ومنهاج السنة 5/ 98.
(4)
الاستقامة 1/ 28. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 20/ 19، 24، فتح الباري 13/ 319.
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلا في قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] "
(1)
.
ومن الأدلة في ذلك حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما أرسل برسالة مع الظعينة لأهل مكة قبل الفتح يخبرهم بتجهيز المسلمين إليهم فلم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم، وقدأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1]. قال الإمام البخاري رحمه الله: "باب ما جاء في المتأولين"
(2)
وذكر الحديث.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة، وقصة الرسالة مع الظعينة لأهل مكة قبل الفتح بإخبارهم بتجهيز المسلمين إليهم"
(3)
.
قال ابن قدامة في مسألة العذر بالتأويل: "وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين إلى الله تعالى"
(4)
، ثم قال:"وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا"
(5)
.
وقال: "وقد رُوي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد ولم يكفره، وكذلك أبو جندل بن سهيل، وجماعة معه، شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 136.
(2)
صحيح البخاري حديث رقم (6936).
(3)
أضواء البيان 8/ 130.
(4)
المغني 9/ 21.
(5)
المصدر نفسه.
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها فتابوا، وأقيم عليهم الحد، فيخرج فيمن كان مثلهم مثل حكمهم"
(1)
.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أمثلةً على وقوع الخطأ في التأويل فقال: "وذلك كالمتأولين في تناول المسكر من صالحي أهل الكوفة ومن اتبعهم على ذلك، وإن كان المشروب خمرا لا يشك في ذلك من اطلع على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، وكذلك المتأولون للمتعة والصرف من أهل مكة، متبعين لما كان يقوله ابن عباس -وإن كان قد رجع عن ذلك، أو زادوا عليه- إذ لا يشك في ذلك، وأنه من أنواع الربا المحرم والنكاح المحرم، من اطَّلع على نصوص النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك المتأولون في بعض الأطعمة والحشوش من أهل المدينة، وإن كان لا يشك في تحريم ذلك من اطلع على نصوص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكذلك ما دخل من السابقين والتابعين من القتال في الفتنة والبغي بالتأويل، مع ما عُلِم في ذلك من نصوص الكتاب والسنة من ترك القتال، والصلح. فما تأول فيه قوم من ذوي العلم والدين من مطعوم أو مشروب أو منكوح، أو مملوك، أو مما قد علم أن الله قد حرمه ورسوله لم يجز اتباعهم في ذلك -مغفورا لهم- وإن كانو خيار المسلمين، والله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان، كما دل عليه الكتاب والسنة، وهو سبحانه يمحو السيئات بالحسنات، ويقبل التوبه عن عباده، ويعفو عن السيئات"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام: "وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر، ولا بفسق، ولا معصية كما أنكر شريح قراءة من قرأ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}. وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي
(1)
المغني 9/ 22.
(2)
الاستقامة 1/ 298، 299.