الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاته بثلاث: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى"
(1)
.
السادسة: استسلام القلب له وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعته.
السابعة: التفويض: قال الله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)} [غافر: 44] قال ابن القيم رحمه الله: "وهو روح التوكل ولبه وحقيقته، وهو إلقاء أموره كلها إلى الله، وإنزالها به طلبًا واختيارًا، لا كرهًا واضطرارًا"
(2)
.
الثامنة: الرضا: قال ابن القيم رحمه الله: "وهي ثمرة التوكل، ومن فسره بها، فإنما فسره بأجل ثمراته وأعظم فوائده؛ فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله
(3)
. وذكر شيخ الإسلام: "أن الرضا والتوكل يكتنفان المقدور فالتوكل قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه"
(4)
، فمن توكل على الله قبل الفعل، ورضي بالمقضي له بعد الفعل، فقد قام بالعبودية، أو معنى هذا"
(5)
.
ثم قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- بعد ذكر هذه الدرجات الثمان: "فباستكمال هذه الدرجات الثمان يستكمل العبد مقام التوكل وتثبت قدمه فيه"
(6)
.
7 - علاقة الأسباب بالتوكل:
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اتخاذ الأسباب وكانوا أكمل الخلق توكلا بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الدروع يوم أحد
(7)
، واستأجر دليلًا مشركًا على دين قومه،
(1)
أخرجه مسلم (2877).
(2)
مدارج السالكين 2/ 122 ط. دار الفكر.
(3)
مدارج السالكين 2/ 123.
(4)
مجموع الفتاوى 10/ 37، التحفة العراقية 87.
(5)
المدارج 2/ 122.
(6)
مدارج السالكين 2/ 123.
(7)
أخرجه أبو داود (2590)، والترمذي (1692).
ليدله على الطريق يوم الهجرة
(1)
، وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد وجميع أصحابه
(2)
.
ويُذكر أنه قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد فجيء بهم إلى عمر رضي الله عنه فسألهم فقالوا: نحن المتوكلون على الله. فقال: لستم المتوكلين بل أنتم المتواكلون.
وسأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، أفتح مصحفي فأقرأُه حتى أمسي؟ قال الحسن:"اقرأه بالغداة واقرأه بالعشي، وكن سائر نهارك في صنعتك وما يصلحكم"
(3)
.
وسأل الإمام أحمدَ رجلٌ فقال: أيخرج إلى مكة متوكلًا لا يحمل معه شيئًا؟ قال: "لا يعجبني، فمن أين يأكل قال: يتوكل فيعطيه الناس. قال: وإذا لم يعطوه. أليس يستشرف لهم حتى يعطوه؟ لا يعجبني هذا. لم يبلغني أن أحدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين فعل هذا، ولكن يعمل ويطلب ويتحرى"
(4)
.
وكان الإمام أحمد يأمر بالسوق، ويقول:"ما أحسن الاستغناء عن الناس"
(5)
.
وسئل عن قوم لا يعملون ويقولون نحن متوكلون فقال: "هؤلاء مبتدعة"
(6)
.
قال عبد اللهَ التستري: "من قال: إن التوكل يكون بترك السبب فقد طعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل يقول: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] فالغنيمة اكتساب"
(7)
.
(1)
راجع حديث عائشة في البخاري (2263).
(2)
انظر بعض أخبارهم في الاكتساب واتخاذ الأسباب، تلبس إبليس، ص 282، مدارج السالكين 2/ 134، 135. ط. دار الفكر.
(3)
البيهقي في شعب الإيمان، ح (1259) 2/ 94.
(4)
المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد 2/ 236.
(5)
المصدر السابق 2/ 234.
(6)
المصدر السابق 2/ 238.
(7)
أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/ 103.
وقد أخبر الله في كتابه عن مريم عليها السلام: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)} [مريم: 25].
وهذا دليل على أن الله عز وجل يأمر باتخاذ الأسباب، كما دل على ذلك قوله:{وَهُزِّي} وفي ذلك يقول بعضهم:
ألم تر أن الله قال لمريم
…
فهزي إليك الجذع يسَّاقطُ الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها
…
جنته ولكن كل شيء له سبب
يقول ابن الجوزي: "وقد تشبث القاعدون عن التكسب بتعللات قبيحة منها أنهم قالوا: لا بد أن يصل إلينا رزقنا وهذا في غاية القبح فإن الإنسان لو ترك الطاعة وقال: لا أقدر بطاعتي أن أغير ما قضى الله عليّ فإن كنت من أهل الجنة فأنا إلى الجنة أو من أهل النار فأنا من أهل النار. قلنا له: هذا يرد الأوامر كلها
…
ومعلوم أننا مطالبون بالأمر لا بالقدر"
(1)
.
ويقول أيضًا رحمه الله: "فقد كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح وزكريا نجارَين، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرًا، وكان سليمان يعمل الخوص، وداود يصنع الدروع، ويأكل من ثمنه، وكان موسى وشعيب ومحمد رعاة صلى الله عليهم أجمعين"
(2)
.
والإنسان مع أخذه بالأسباب وإثباتها لا يعتمد عليها بل ينظر إلى مسببها وهو الله سبحانه وتعالى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا قال طائفة من العلماء: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقصٌ في العقل والإعراض عن
(1)
تلبيس إبليس ص 286.
(2)
تلبيس إبليس ص 281.
الأسباب بالكلية قدحٌ في الشرع، نما التوكل المأمور به: ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد والعقل والشرع"
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "وهذا الكلام يحتاج إلى شرح وتقييد؛ فالالتفات إلى الأسباب ضربان:
أحدهما: شرك، والآخر عبودية وتوحيد؛ فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، يعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورًا عليها.
وأما إن التفت إليها التفات امتثال وقيام بها، وأداء لحق العبودية فيها، وإنزالها منازلها؛ فهذا الالتفات عبودية وتوحيد، إذا لم يشغله عن الالتفات إلى المسبب.
وأما محوها أن تكون أسبابا؛ فقدح في العقل والحس والفطرة، فإن أعرض عنها بالكلية؛ كان قدحا في الشرع وإبطالا له.
وحقيقة التوكل: القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبب، واعتقاد أن الأمر بيده، فإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه.
فالموحد المتوكل؛ لا يلتفت إليها؛ بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها؛ بل يكون قائمًا بها ملتفتا إليها ناظرا إلى مسببها سبحانه ومجريها
…
فإذا جمعت بين هذا التوحيد، وبين إثبات الأسباب؛ استقام قلبك على السير إلى الله ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، وبالله التوفيق"
(2)
.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله
(1)
مجموع الفتاوى 10/ 35، وانظر المدارج 3/ 499. ط. دار الفكر.
(2)
مدارج السالكين 3/ 499، 500.
أمر بتعاطي الأسباب، مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71]، وقال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]. وقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10].
وقال سهل التستري: من طعن في الحركة -يعني في السعي والكسب- فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركنَّ سنته. ثم إن الأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام:
أحدها: الطاعات التي أمر الله عباده بها، وجعلها سببا للنجاة من النار، ودخول الجنة، فهذا لا بد من فعله مع التوكل على الله فيه، والاستعانة به عليه .. فمن قصّر في شيء مما وجب عليه من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدرا.
الثاني: ما أجرى الله العادة به في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر والتدفي من البرد ونحو ذلك، فهذا أيضا واجب على المرء تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله، فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن الله سبحانه وتعالى قد يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوي عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره فلا حرج عليه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل صيامه وينهى عن ذلك أصحابه.
الثالث: ما أجرى الله العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب، وقد يخرق العادة في ذلك لمن شاء من عباده وهو على أنواع:
منها: ما يخرقه كثيرًا ويفي عنه كثيرا من خلقه، كالأدوية بالنسبة إلى كثير من البلدان وسكان البوادي ونحوها.