الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفاجر، ونصوص الرسول وأصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه كقوله:"يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان""
(1)
.
7 - صلة العمل بالإيمان:
تبين لنا من التعريف الشرعي أن العمل يرتبِط بِالإيمان ارتباطًا وثيقًا. وزيادة في الإيضاح نقول: إن العمل ركن من أركان الإيمان فلا تقوم حقيقة الإيمان إلا بِعمل، ومعلوم أن الركن هو الذي تقوم بِه الماهية وكما أن الممتنع عن كلمة التوحيد لا يصير مؤمنا، كذلك الممتنع عن العمل لا يصير مؤمنًا. وقد أجمع السلف على أن العمل من الإيمان. فمن لم يأتِ بعمل فهو كافر أن من انتفى في حقه الاعتقاد فهو كافر أو انتفى في حقه القول فهو كافر لأن الإيمان عند أهل السنة والجماعة لا يكون إلا باعتقاد وقول وعمل ومن زال عنه واحد من الثلاثة فإنه يزول عنه أصل الإيمان.
قال الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابِعين من بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول، وعمل، ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"
(2)
.
وقال البغوي رحمه الله: "اتفقت الصحابة والتابِعون، فمن بعدهم من علماء السنة على أن: الأعمال من الإيمان"، ثم قال أيضًا:"وقالوا الإيمان قول وعمل وعقيدة"
(3)
.
وقال الإمام أبو حاتم الرازي وأبو زرعة: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار
…
فكان مذهبِهم أن الإيمان قول وعمل"
(4)
.
وقال محمد بِن الحسين الآجري رحمه الله: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه
(1)
مجموع الفتاوى 7/ 223.
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 5/ 886، 887. الإيمان لابن تيمية 197.
(3)
شرح السنة للبغوي 11/ 38، 39.
(4)
عقيدة أبي حاتم الرازي وأبي زرعة ص 149.
علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو تصديق بِالقلبِ وإقرار بِاللسان وعمل بِالجوارح"
(1)
.
وقال محمد بِن أبِي حاتم سمعت الإمام البخاري قبل موته بِشهر يقول: "كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص"
(2)
.
فالسلف رحمهم الله رأوا أن الإيمان هو هذه الأمور الثلاثة: "اعتقاد بِالجنان وقول بِاللسان وعمل بِالأركان" وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان. وقد نقل الإجماع عنهم على هذا التعريف أبو عبيد القاسم بن سلام
(3)
والشافعي
(4)
والبخاري
(5)
واللالكائي (4) والبغوي
(6)
وابن عبد البر
(7)
وغيرهم وهذا الإجماع منهم مبني على أدلة صريحة من الكتابِ والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود هنا أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلبِ واللسان وعمل القلبِ والجوارح ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بِالقلبِ، ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية، فزاد ذلك، ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا لله إلا بِاتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، وإنما أرادوا ما
(1)
الشريعة للآجري ص 119.
(2)
الشريعة للأجري ص 120.
(3)
شرح أصول الاعتقاد للالكائي 4/ 913.
(4)
الإيمان لابن تيمية ص 197.
(5)
فتح الباري 1/ 47.
(6)
شرح السنة 1/ 38.
(7)
التمهيد 9/ 238.
كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم، كما سئل سهل بن عبد الله التستري عن الإيمان ما هو؟ فقال:"قول وعمل ونية وسنة"؛ لأن الإيمان إذا كان بِلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بِلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولًا وعملًا ونية بِلا سنة فهو بِدعة"
(1)
.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ومما يبين ذلك أن الإقرار بالصانع مع خلو القلب عن محبته والخضوع له وإخلاص الدين له لا يكون نافعًا بل الإقرار به مع الإعراض عنه وعن محبته وتعظيمه والخضوع له أعظم استحقاقا للعذاب فلا بد أن يكون للفطرة مقتض للعلم ومقتض للمحبة"
(2)
.
وقال أيضًا: "وها هنا أصل آخر، وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل. والقول قسمان: قول القلبِ وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بِكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلبِ وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بِكماله، وإذا زال تصديق القلبِ لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلبِ شرط في اعتقادها وكونها نافعة. وإذا زال عمل القلبِ مع اعتقاد الصدق، فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة. فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلبِ وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون بِه سرا وجهرا ويقولون: ليس بِكذابِ، ولكن لا نتبعه، ولا نؤمن بِه. وإذا كان الإيمان يزول بِزوال عمل القلبِ فغير مستنكر أن يزول بِزوال أعظم أعمال الجوارح، ولا سيما إذا كان ملزوما لعدم محبة القلبِ
(1)
الإيمان ص 162، وانظر مجموع الفتاوى 7/ 333، 505، 506، 621، 28/ 177.
(2)
شفاء العليل ص 302.
وانقياده الذي هو ملزوم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلبِ عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع القلب وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة وهو حقيقة الإيمان، فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم بيانه - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد، وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بِموجبِه، وإن سمى الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمى تصديقا فليس هو التصدق المستلزم للإيمان. فعليك بِمراجعة هذا الأصل ومراعاته"
(1)
.
وقد جاء عن السلف أن من ترك العمل المجزئ في الإيمان أنه كافر، وأن من قال بأن الإيمان هو الإقرار وأنه لا يوجد قدر مجزئ من العمل يُدخله في الإيمان فهو مرجئ.
فعن معقل بن عبيد الله العبسي قال: "قدم علينا سالم الأفطس بِالإرجاء فعرضه قال: فنفر منه أصحابنا نفارًا شديدًا
…
قال فجلست إلى نافع فقلت له: إنهم يقولون: نحن نقر بِأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونحن نشربها وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نفعل. قال: فنتر يده من يدي ثم قال: من فعل هذا فهو كافر"
(2)
.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا سويد بن سعيد الهروي قال: "سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء. فقال: يقولون الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرًا بقلبه على ترك الفرائض وسمّوا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا بسواء لأن ركوب المحارم من غير استحلال
(1)
كتاب الصلاة 25.
(2)
السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/ 382، 382.
معصية، وترك الفرائض متعمدًا من غير جهل ولا عذر هو كفر"
(1)
.
وفي السنة للخلال قال الحميدي: "أخبرت أن قومًا يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئًا حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان يقر الفروض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر بالله الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين. قال حنبل: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على الله أمره وعلى الرسول ما جاء به"
(2)
.
وقال الإمام أبو ثور: "فأما الطائفة التي زعمت أن العمل ليس من الإيمان فيقال لهم: ما أراد الله عز وجل من العباد إذ قال لهم: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]؟ الإقرار بذلك، أو الإقرار والعمل؟ فإن قالت: إن الله أراد الإقرار ولم يرد العمل فقد كفرت عند أهل العلم
(3)
من قال: إن الله لم يرد من العباد أن يصلوا ولا يؤتوا الزكاة.
فإن قالت: أراد منهم الإقرار والعمل.
قيل: فإذا أراد منهم الأمرين جميعًا، لم زعمتم أنه يكون مؤمنًا بأحدهما دون الآخر؟ وقد أرادهما جميعًا.
أرأيتم لو أن رجلًا قال: أعمل جميع ما أمر الله ولا أقر به أيكون مؤمنًا؟.
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: فإن قال: أقر بجميع ما أمر الله به ولا أعمل منه شيئًا، أيكون مؤمنًا؟.
(1)
السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 347، 348.
(2)
السنة للخلال 3/ 586، 587. وانظر كتاب الإيمان لابن تيمية ص 197.
(3)
هكذا في الكتاب.
فإن قالوا: نعم.
قيل لهم: ما الفرق؟ وقد زعمتم أن الله عز وجل أراد الأمرين جميعًا، فإن جاز أن يكون بأحدهما مؤمنًا إذا ترك الآخر، جاز أن يكون بالآخر إذا عمل ولم يقر مؤمنًا، لا فرق بين ذلك.
فإن احتج فقال: لو أن رجلًا أسلم فأقر بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أيكون مؤمنًا بهذا الإقرار قبل أن يجئ وقت عمل؟.
قيل له: إنما نطلق له الاسم بتصديقه أن العمل عليه بقوله أن يعمله في وقته إذا جاء، وليس عليه في هذا الوقت الإقرار بجميع ما يكون به مؤمنًا. وقال: أقر ولا أعمل لم نطلق له اسم الإيمان"
(1)
.
وقال ابن تيمية: "من الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانًا ثابتًا في قلبِه، بِأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة، والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله الزكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلبِ وزندقة، لا مع إيمان صحيح. ولهذا إنما يصف سبحانه بِالامتناع من السجود الكفار كقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43،42] "
(2)
.
وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" قال الحافظ ابن رجب: (أن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان.
وقد روي في لفظ: "بني الإسلام على خمس دعائم".
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 4/ 931 - 933 رقم (1590).
(2)
مجموع الفتاوى 7/ 611.
وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فقد شيء من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده.
وأما هذه الخمس فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها؟ فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة؟
وفي ذلك اختلاف مشهور، وهذه الأقوال كلها محكية عن الإمام أحمد.
وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة
(1)
.
وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة.
وكذلك قال سفيان بن عيينة: "المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم؛ وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال: معصية،
(1)
تنبيه: ينبغي العلم بأن علماء السنة لا يقصدون أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان بل يقولون: إن مَنْ لَم يأتِ بعملٍ فهو كافر. وللمزيد من التفصيل في حكم تارك الصلاة انظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/ 873، 1017. الروايتان والوجهان لأبي يعلى بن الفراء 1/ 194. بداية المجتهد لابن رشد 1/ 90. فتح الباري لابن رجب 1/ 23 المغني لابن قدامة 2/ 442. شرح النووي 2/ 70. كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن القيم. الإنصاف للمرداوي 1/ 327، 401. الإقناع لأبي النجا الحجاوي 1/ 71. نيل الأوطار للشوكاني 1/ 287، 297. وفتاوى اللجنة الدائمة 6/ 30 - 51، رسالة حكم تارك الصلاة لابن عثيمين. الرسائل والمسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة 2/ 36، 51.
وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر.
بيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
وروي عن عطاء ونافع مولى ابن عمر أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة ولا أصلي، فقالا: هو كافر. وكذا قال الإمام أحمد.
ونقل حرب عن إسحاق قال: "غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوما يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد؛ إذ هو مقر. فهؤلاء الذين لا شك فيهم - يعني في أنهم مرجئة -.
وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض"
(1)
.
وقال في موضع آخر: "وجعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة وقال طاووس: مثل الإسلام كشجرة أصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا وكذا، وثمرها: الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه.
ومعلوم أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها إذا ذهب شيء منه لم يذهب عن الشجرة اسمها؛ ولكن يقال: هي شجرة ناقصة، وغيرها أكمل منها، فإن قطع أصلها وسقطت لم تبق شجرة، وإنما تصير حطبًا، فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه لنقصه بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه فإنه يزول مسماه بالكلية"
(2)
.
(1)
فتح الباري لابن رجب 1/ 22، 23.
(2)
المرجع السابق.