الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
شبهات حول البناء على القبور:
يتعلق بعض المجيزين للبناء بشبهات منها:
1 -
قوله تعالى: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] قالوا: إن الآية قبلها تدل على أنهم ماتوا فاتخذوا مسجدا على قبره فقص الله عز وجل هذا في كتابه ولم يصحبه بما يدل على حظره فدل هذا على جوازه.
وقولهم مردود فإن أولئك القائلين ليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين صالحين بل هم من جملة من قال فيهم رسولنا صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي رواية: "وصالحيهم".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فبيوت الأوثان وبيوت النيران وبيوت الكواكب وبيوت المقابر: لم يمدح الله شيئًا منها، ولم يذكر ذلك إلا في قصة من لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21].
فهؤلاء الذين اتخذوا على أهل الكهف مسجدًا: كانوا من النصارى الذين لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي رواية: "والصالحين""
(1)
.
وظاهر الآيات في قصة أصحاب الكهف تدل على أن هروب الفتية أصلًا كان فرارًا بدينهم وفي قوله تعللى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم وظهورهم عليهم أنهم بين أمرين إما الرجم بالحجارة فيقتلونهم أشنع قتلة لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتهم، وفي هذه
(1)
الرد على البكري 2/ 567، 568.
الحال لا يفلحون أبدًا، بل يخسرون في دينهم ودنياهم وأخراهم"
(1)
.
ومن وجه آخر يُردُّ عليهم بأن قول الله عز وجل: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} يشعر بأنهم ذو جهل وضلال، وأما الحظر فقد جاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لعن اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد.
وقال ابن رجب في شرح حديث: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد": "وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس فعل أهل العلم والفضل المتبعين لما أنزل اللهَ على رسله من الهدى"
(2)
.
وقال ابن كثير: "حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين:
أحدهما: أنهم المسلمون منهم.
والثاني: أهل الشرك منهم، فالله أعلم. والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. يحذر ما فعلوا"
…
"
(3)
.
وقال السيوطي: "وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي .. فقال الملك: "لأتخذن عِنْدَ هؤلاء القوم الصالحين مسجدًا .. "، وقال: وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم
(1)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 423.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب 2/ 397.
(3)
تفسير ابن كثير 3/ 82.
عن قتادة في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} قال: "هم الأمراء أو قال السلاطين""
(1)
.
وقال المعلمي في بيان قول الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} : "والغالب أن الغلبة تكون سببًا للمعصية، والغالب في الأمم السابقة أن الغلبة إنما تكون للضالين، والغالب في الأمم السابقة أيضًا التكذيب بالآيات، والضلال فيها نوع من التكذيب بها، قال الله عز وجل: {مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وقال تبارك وتعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)} [الأعراف: 102] وعلى كل حال فوصف هؤلاء بالغلبة مع وصف مقابليهم بما تقدم، يشعر بأنهم ذو جهل وغلو، واتخاذ المسجد لا ينافي الجهل والغلو كما لا يخفى"
(2)
.
ولا يقال في هذا المقام أننا غير متعبدين بشرع من قبلنا، أو أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا، فإن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ليس من شرع الله قط، لا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا في الأمم قبلها، ولو كان ذلك شرعًا من شرع الله لِمَنْ كان قبلنا لم يستحقوا لعن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فعلوه قد أتى به شرعهم الذي بُعثت به أنبياؤهم.
قال الألوسي رحمه الله: "وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(3)
.
وأخيرًا نقول: إن الاستدلال بهذه الآية على جواز اتخاذ المساجد على القبور مع
(1)
الدر المنثور للسيوطي 4/ 392.
(2)
البناء على القبور للمعلمي ص 19.
(3)
روح المعاني للألوسي 5/ 237 - 240. وانظر تفنيدها بالتفصيل في كتاب البناء على القبور للمعلمي ص 8 وما بعدها. وتحذير الساجد ص 69 وما بعدها.
مخالفته للأحاديث المتواترة الناهية عن ذلك - مخالفٌ لإجماع علماء المسلمين، على تحريم اتخاذ المساجد على القبور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين، بل هو منهي عنه بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واتفاق أئمة الدين"
(1)
.
2 -
شبهة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم فيقال فيه:
أولًا: أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبن على القبور فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بناه بعدما نبش قبور المشركين وأخبر عنه سبحانه بانه أول مسجد أسس على التقوى.
ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد كما يفعل هؤلاء القبوريون.
ثالثًا: أن إدخال بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد لم يكن في عهد الصحابة، وإنما أدخل في عهد الوليد بن عبد الملك سنة 88 للهجرة فأدخل في المسجد النبوي حجر أزواجه عليه السلام بما فيها قبره الذي في حجرة عائشة، وقد أنكر عليه العلماء منهم سعيد بن المسيب رحمه الله.
وقال الألباني رحمه الله: "ولم يكن في المدينة المنورة أحد من الصحابة حينذاك خلافا لما توهم بعضهم"
(2)
.
وقال أيضًا: "يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وأن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما
(1)
مجموع الفتاوى 27/ 488.
(2)
تحذير الساجد ص 85. وانظر الصارم المنكي 137. وممن ذكر وجود الصحابة آنذاك الإمام النووي رحمه الله وقد رد عليه الألباني مبينا عدم ثبوته انظر للاستزادة تحذير الساجد ص 95.
فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضًا لصنيع عمر وعثمان حين وسعًا المسجد ولم يدخلا القبر فيه، ولهذا نقطع بخطإ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه، ولئن كان مضطرًا إلى توسيع المسجد، فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة، وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة، بل قال:"إنه لا سبيل إليها"، فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترتب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد".
رابعًا: ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين، فإن الذين زادوا في المسجد النبوي احتاطوا للأمر شيئًا، فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم. فقد ذكر النووي في شرح مسلم أنه لما احتيج إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد؛ فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر
(1)
.
ونقل الحافظ ابن رجب في الفتح نحوه عن القرطبي كما في "الكواكب" 65/ 91/ 1. وذكر ابنُ تَيمِيَّةَ في الجواب الباهر (ق 9/ 2). "أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها، وبنى عليها حائط آخر، صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيدًا وقبره وثنًا"
(2)
.
أما بناء القبة على القبر الشريف فقد قال صاحب كتاب المشاهدات
(1)
النووي شرح مسلم 5/ 14 بتصرف.
(2)
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ص 92 - 98.