الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال العلَّامة محمد خليل هراس: "وأما توحيد الإلهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية، ومعنى كونه متضمنًا له أن توحيد الربوبية داخل في ضمن توحيد الإلهية، فإن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئًا لا بد أن يكون قد اعتقد أنه هو ربه ومالكه الذي لا رب له غيره ولا مالك له سواه، فهو يعبده لاعتقاده أن أمره كله بيده وأنه هو الذي يملك ضره ونفعه، وأن كل ما يدعي من دونه فهو لا يملك لعابديه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، كما قال إبراهيم عليه السلام لقومه:{اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)} [العنكبوت: 16 - 17].
وأما توحيد الأسماء والصفات فإنه شامل للنوعين السابقين، فهو يقوم على إفراده سبحانه بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العليا التي لا تنبغي إلا له، ومن جملتها كونه ربًا واحدًا لا شريك له في ربوبيته، وكونه إلهًا واحدًا لا شريك له في إلهيته"
(1)
.
*
فضل التوحيد:
فضائل التوحيد
(2)
عظيمة وجليلة وقد جاءت نصوص كثير في الكتاب والسنة في بيان فضله منها قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ
(1)
دعوة التوحيد ص 70 - 71. وللاستزادة انظر: منهاج السنة 3/ 313، درء تعارض العقل والنقل 7/ 391، شرح العقيدة الطحاوية 1/ 41 وما بعدها.
(2)
شرح السنة للبغوي 1/ 92.التمهيد لابن عبد البر 6/ 43، 9/ 242، 10/ 149، 23/ 296. الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 164.الدين الخالص لصديق حسن القنوجي 1/ 173. تيسير العزيز الحميد 71. حاشية كتاب لاين قاسم 23. فتح المجيد 61. القول السديد لابن سعدي المجموعة 3/ 11. القول المفيد ط 1 - 1/ 55. ومن المجموع 9/ 48. نهج الحافظ ابن رجب في العقيدة ص 373. شجرة الإيمان للسعدي من المجموعة 3/ 108، 221، 268. معارج القبول 1/ 294، 11. نواقض الإيمان القولية والعملية 7/ 211.الإمام المروزي وجهوده في توضيح العقدة للنفيعي ص 389. علم التوحيد د: الربيعة ص 31.
الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82] الآية. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى: لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله"
(1)
.
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها .. الحديث وفيه: ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة"
(2)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك
…
" الحديث وفيه: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"
(3)
.
قال ابن رجب: "من جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها ثم يدخل الجنة، فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه الله تعالى فيه، وقام بشروطه بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند
(1)
أخرجه ابن حبان والحاكم وصححه. وفي هذا الحديث وغيره رد على من زعم أن الذكر بالاسم المفرد (الله الله) أفضل من الذكر بالجملة المركبة، كقوله سبحان الله وسبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وزعمهم هذا فاسد، فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلا ولا مفيد شيئا ولا هو كلام، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان ولا ثواب ولا يدخل الذاكر به في عقد الإسلام جملة، فلو قال الكافر (الله، الله) طول عمره لم يصر بذلك مسلما فضلا أن يكون من جملة الذكر أو يكون أفضل الأذكار، إلى آخر ما ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه: سفر الهجرتين. انظر التنبيهات السنية للرشيد ص 8.
(2)
أخرجه مسلم (2687).
(3)
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (3540).
الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية وتوكلا، وحينئذ تحرق ذنوبه خطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات"
(1)
.
وقد تنوعت عبارات السلف في بيان فضل التوحيد إذ هو أشرف الغايات وعلمه أشرف العلوم.
قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ -رحمه الله تعالى-: "وأعظم ما دعا الله الخلق إليه في كتابه ودعت الرسل هو التوحيد وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو أصل دعوة الرسل وأساسها ورأسها وأكمل ما فيها وبه بعث الله جميع الرسل كما قد صرح به القرآن في أكثره فهو مملوء به وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أول ما دعا المشركين إلى كلمة التوحيد وأن بالإقرار بها يصير الرجل مسلما وبالامتناع عنها يصير كافرا
…
فلا يصير الرجل مسلمًا حتى يشهد هذه الشهادة فإنها رأس الإسلام فهي واجبة في كل خطابة فكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذمى ولهذا وجبت في التحيات وسميت التحيات تشهدا باسم التشهد الذي فيها وبها ختمت التحيات
…
وعليها شرع الجهاد الذي هو سنام العمل
…
وأهل هذه الكلمة هم السعداء
…
وهذا باب واسع فلا يعرف في دين الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من الأولين والآخرين، ولا كتب رب العالمين أمرًا أعظم من التوحيد وهو أول الكلمات العشر التي في التوراة ونظيرها الوصايا العشر التي في آخر الأنعام و أهل التوحيد هم المستحقون للشفاعة يوم القيامة
…
"
(2)
.
(1)
كلمة الإخلاص لابن رجب ص 21، وانظر: تيسير العزيز الحميد ص 96.
(2)
الرد على البكري ص 290 - 296.
وقال الإمام المقريزي: "واعلم أن أنفس الأعمال وأجلها قدرا توحيد الله تعالى"
(1)
.
ويدخل في فضل التوحيد حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
(2)
.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في معرض كلامه عن توحيد الألوهية: "وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله. فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة، والخشية، والإجلال، والتعظيم، وجميع أنواع العبادة، ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} [البقرة: 21] فهذا أول أمر في القرآن. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)} [المؤمنون: 23]. وهذا التوحيد هو أول واجب على المكلف، لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك في الله، كما هي أقوال لمن لم يدر ما بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم-من معاني الكتاب والحكمة، فهو أول واجب وآخر واجب، وأول ما يدخل به الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"
(3)
. وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول صلى الله عليه وسلم"
(4)
"
(5)
.
(1)
تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص 6.
(2)
أخرجه البخاري مختصرًا ومطولًا (3410)(5705)، وأخرجه مسلم (220). وسيأتي في باب (الرقى).
(3)
أخرجه أبو داود (3116).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
تيسير العزيز الحميد ص 37.
قال الشيخ ابن عثيمين: "وإنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به"
(1)
.
وذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله شيئًا من فضائل التوحيد فقال: " (وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن ههنا استقصاؤها؛ فلنذكر بعض ما ورد فيها:
* فهي كلمة التقوى.
* وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر.
* ولأجلها خُلِق الخلق.
* ولأجلها أُرسلت الرسل وأنزلت الكتب.
* ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب في الآخرة.
* ولأجلها أُمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم في ماله ودَمِه، ومن أباها فماله ودمُه هدر.
* وهي مفتاح دعوة الرسل، وبها كلَّم الله موسى كفاحًا.
* وهي مفتاح الجنة، وهي ثمن الجنة.
* وهي نجاة من النار.
* وهي توجب المغفرة.
* وهي أحسن الحسنات.
* وهي تمحو الذنوب والخطايا.
* وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب.
* وهي التي لا يعدلها شيء في الوزن، فلو وُزنت بالسماوات والأرض رجحت بهن كذلك ترجح بصحائف الذنوب.
* وهي التي تخرق الحُجُب حتى تصل إلى الله عز وجل.
(1)
شرح ثلاثة الأصول من مجموع فتاوى ابن عثيمين 6/ 35.
* وهي التي ينظر الله إلى قائلها، ويجيب دعاه.
* وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها.
* وهي أفضل ما قاله النبيون.
* وهي أفضل الذكر.
* وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزًا من الشيطان ومن فضائلها أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر.
* وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور.
* ومن فضائلها أنها تُفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
* ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها، فإنهم لا بد أن يخرجوا منها"
(1)
.
وقد استدل لكل هذا بأدلة من الكتاب وأحاديث وآثار ولكني اختصرت في ذكر الفضائل فقط.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "من فضائل التوحيد:
* أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتهما.
* ومن فضائله أنه يكفر الذنوب.
* ومن أجل فوائده: أنه يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل، وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.
* ومنها: أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة.
* ومنها: أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه، وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه.
* ومن أعظم فضائله: أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في
(1)
كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ص 243 - 253 من الجامع المنتخب من رسائل الحافظ ابن رجب، تحقيق محمد العمري.
قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.
* ومن فضائله: أنه يسهل على العبد فعل الخيرات وترك المنكرات ويسليه عند المصيبات. فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه.
* ومنها أن: التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين.
* ومنها: أنه يخفف عن العبد المكاره ويهون عليه الآلام، فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة.
* ومن أعظم فضائله: أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي، ويكون مع ذلك متألها متعبدًا لله لا يرجو سواه ولا يخشى إلا إياه ولا ينيب إلا إليه، وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه.
* ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققًا كاملًا بالإخلاص التام، فإنه يصير القليل من عمله كثيرًا، وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب، ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تقابلها السماوات والأرض، وعمارها من جميع خلق الله
…
الخ"
(1)
.
(1)
القول السديد ص 16 وما بعدها.