الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
68 - التألّي على الله
*
التألي لغة: من الأليّة بتشديد الياء المثناة من تحت أي اليمين
(1)
، يقال آلى يولي إيلاء، وتألَّى يتألَّى تألِّيًا، والاسم الألية.
وشرعًا: الحلف على الله إذا كان على جهة الحجر على الله والقطع بحصول المقسم على حصوله
(2)
.
* الدليل من السنة: عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَالله لا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ وَإِنَّ الله تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذا الَّذِي يَتَألَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ"
(3)
.
وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد. قال أبو هريرة: "تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته"
(4)
.
* حكمه: قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله عن الحديث السابق: "فيه تحريم الإدلال على الله ووجوب التأدب مع الله في الأقوال والأحوال، وأن حق العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبودية ويعامل ريه بما يجب له من أحكام الإلهية والربوبية"
(5)
.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "من تألّى على الله عز وجل فقد أساء الأدب معه وتحجر
* فتح المجيد 601. حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم 388. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 3/ 78. القول المفيد لابن عثيمين ط 1 - 3/ 260 ط 2 - 3/ 326 ومن المجموع 10/ 1085. مسائل الإمام أحمد للأحمدي 1/ 402.
(1)
انظر مختار الصحاح باب (أ ل ا).
(2)
حاشية كتاب التوحيد ص 388.
(3)
أخرجه مسلم (2621).
(4)
أخرجه أبو داود (4901).
(5)
حاشية على كتاب التوحيد ص 388.
فضله، وأساء الظن به، وكل هذا ينافي كمال التوحيد، وربما ينافي أصل التوحيد، فالتألي على من هو عظيم يعتبر تنقصا في حقه"
(1)
.
وأما إن كان على جهة حسن الظن بالله فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"
(2)
.
* فائدة: ومما يحسن ذكره هنا: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحد بعينه أنه من أهل الجنة أو النار.
يقول أبو إسماعيل الصابوني: "ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بم يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم"
(3)
.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله"
(4)
.
ويستثنى من ذلك: من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، حيث روى الترمذي بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة"
(5)
.
قال الإمام أحمد في رسالته إلى مسدد بن مسرهد: "وأن نشهد للعشرة بالجنة وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 10/ 1087. وانظر القول المفيد ط 1 - 3/ 263.
(2)
انظر حاشية على كتاب التوحيد لابن قاسم ص 388.
(3)
عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 82.
(4)
طبقات الحنابلة 1/ 244، 245.
(5)
أخرجه الترمذي برقم (3747).
الرحمن بن عوف الزهري، وأبو عبيدة ابن الجراح"
(1)
.
وقال: "ولا ننزل أحدًا من أهل القبلة جنة ولا نارًا إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما الشهادة لرجل بعينه بأنه من أهل النار أو الجنة فليس لأحد ذلك إلا بنص صحيح يوجب، كالعشرة الذين بشرهم الصادق صلى الله عليه وسلم بالجنة ومنهم من جوز ذلك لمن استفاض في الأمة الثناء عليه كعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأمثاله"
(3)
. وقال أيضًا: "وأما توقف الناس في القطع بالجنة فلخوف الخاتمة"
(4)
.
وقال شارح الطحاوية: "لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة إنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلا من أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة كالعشرة رضي الله عنهم وغيرهم، وإن كنا نقول: إنه لا بد أن يدخل النار من أهل الكبائر من شاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولكنا نقف في الشخص المعين فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم، لأن الحقيقة باطنة، وما مات عليه لا نحيط به. ولكن نرجو للمحسنين ونخاف على المسيئين"
(5)
.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الحمد لله والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كثر الإعلان في الجرائد عن وفاة بعض الناس، كما كثر نشر التعازي لأقارب المتوفين، وهم يصفون الميت فيها بأنه مغفور له أو مرحوم أو ما أشبه ذلك من كونه من أهل الجنة، ولا يخفى على كل من له إلمام بأمور الإسلام وعقيدته بأن ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا الله، وأن عقيدة أهل السنة
(1)
هو عامر بن عبد الله بن الجراح مات بطاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
(2)
طبقات الحنابلة 1/ 312، 133.
(3)
المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/ 109 وعزاها لكتاب مختصر الفتاوى ص 257.
(4)
المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/ 110 وعزاها لكتاب مختصر الفتاوى ص 257.
(5)
شرح العقيدة الطحاوية ص 426.
والجماعة أنه لا يجوز أن يشهد لأحد بجنة أو نار إلا من نص عليه القرآن الكريم كأبي لهب أو شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كالعشرة من الصحابة ونحوهم، ومثل ذلك في المعنى الشهادة له بأنه مغفور له أو مرحوم، لذا ينبغي أن يقال بدلا منها:"غفر الله له" أو "رحمه الله" أو نحو ذلك من كلمات الدعاء للميت"
(1)
.
ومن هذا الباب الشهادة لشخص معين بأنه شهيد. قال الشيخ ابن عثيمين: "فهذا لا يجوز إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا بقوله: "باب لا يقال فلان شهيد" قال في الفتح 6/ 90: أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيدًا ولعله قد يكون قد أوقر راحلته: ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد". وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر. اهـ كلامه.
ولأن الشهادة بالشيء لا تكون إلا عن علم به، وشرط كون الإنسان شهيدا أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وهي نية باطنة لا سبيل إلى العلم بها، ولهذا قال النبي مشيرًا إلى ذلك:"مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله"
(2)
. وقال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلَم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك"
(3)
رواهما البخاري من حديث أبي هريرة. ولكن من كان ظاهره الصلاح فإننا نرجو له ذلك ولا نشهد له به ولا نسيء به الظن"
(4)
.
(1)
فتاوى ابن باز ص 737.
(2)
أخرجه البخاري (2787) من حديث أبي هريرة.
(3)
أخرجه البخاري (2803).
(4)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 3/ 116، الجواب المختار لهداية المحتار لابن عثيمين ص 65.