الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن القيم: "وكان بدمشق كثير من الأنصاب، فيسر الله سبحانه كسرها على يد شيخ الإسلام وحزب الله الموحدين، كالعمود المخلق، والنصب الذي كان بمسجد النارنج عِنْدَ المصلي يعبد الجهال، والنصب الذي كان تحت الطاحون، الذي عِنْدَ مقابر النصارى، ينتابه الناس للتبرك به، صورة صنم في نهر القلوط ينذرون له ويتبركون به، وقطع الله سبحانه النصب الذي كان عِنْدَ الرحبة يسرج عِنْدَه، ويتبرك به المشركون. وكان عمودا طويلا على رأسه حجرا كالكرة. وعِنْدَ مسجد درب الحجر نصب قد بنى عليه مسجد صغير، ويعبده المشركون يسر الله كسره"
(1)
.
*
حكم التبرك بذوات الصالحين وآثارهم:
التبرك بذوات الصالحين وآثارهم من التبرك الباطل فلم يؤثر عن أحد من الناس أنه تبرك بوضوء أبي بكر أو عرقه، أو ثيابه أو ريقه أو غير ذلك ولا عمر ولا عثمان ولا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وإنما كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وجسمه وعرقه، وريقه، وشعره، وملابسه، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز أن يقاس عليه أحد من الصالحين، ولو كانوا الخلفاء الراشدين، أو العشرة المبشرين فضلا عن غيرهم، لأن التبرك عباده مبناها على التوقيف والاتباع
(2)
. وقد حكى الشاطبي رحمه الله الإجماع على عدم التبرك بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
قال ابن أبي يعلى في ترجمة علي بن عبد الله الطيالسي: "نقل عن إمامنا أشياء منها
(1)
إغاثة اللهفان 1/ 212.
(2)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص 339. رسالة التبرك المشروع والتبرك الممنوع للعلياني ص 81.
(3)
الاعتصام للشاطبي 1/ 482.
قال: مسحت يدي على أحمد بن حنبل ثم مسحت يدي على بني وهو ينظر، فغضب غضبًا شديدًا، وجعل ينفض نفسه ويقول: عمن أخذتم هذا وأنكره إنكارًا شديدًا"
(1)
.
قال ابن رجب: "وكذلك التبرك بالآثار، فإنما كان يفعله الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يفعلونه مع بعضهم
…
ولا يفعله التابعون مع الصحابة، مع علو قدرهم فدل على أن هذا لا يفعل إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم مثل التبرك بوضوئه، وفضلاته، وشعره، وشرب فضل شرابه وطعامه"
(2)
.
فالصواب أن التبرك بالصالحين وآثارهم بدعة، وبعض أهل العلم يرى أنه من الشرك الأصغر.
أما ما ذهب إليه النووي وابن حجر والشوكاني من جوازه لأن الصحابة تبركوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فهذا قياس مع الفارق.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله: "ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين والتبرك بعرقهم ونحو ذلك، وقد أكثر من ذلك أبو زكريا النووي في شرح مسلم في الأحاديث التي فيها الصحابة فعلوا شيئا من ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ صريح لوجوه:
منها عدم المقاربة فضلًا عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة ومنها عدم
(1)
طبقات الحنابلة 1/ 228 ونقلها العليمي كما في الطبقات إلا أنه قال: فجعل ينفض يده المنهج 1/ 428.
(2)
كتاب الحكم الجدير بالإذاعة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "بُعثت بين يدي الساعة" لابن رجب 55.
(3)
انظر: شرح النووي 15/ 86، 87.
تحقق الصلاح، فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب وهذا أمر لا يمكن الإطلاع عليه إلا بنص، كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله أو أئمة التابعين، ومن شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح وقد عدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم.
ومنها أنا لو ظننا صلاح شخص فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم فلا يكون أهلا للتبرك بآثاره.
ومنها أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته، ولا بعد موته، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فهلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكذلك التابعون هلا فعلوه مع سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وأويس القرني والحسن البصري ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم فدل أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن فعل هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أن يفتنه وتعجبه نفسه فيورثه العجب والكبر والرياء فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم"
(1)
.
قال ابن رجب: "وفي الجملة فهذه الأشياء فتنة للمعظِّم والمعظَّم لما يخشى عليه من الغلو المدخل في البدعة وربما يترقى إلى نوع من الشرك"
(2)
.
قال ابن باز رحمه الله: "لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بوضوئه، ولا بشعره، ولا بعرقه، ولا بشيء من جسده؛ بل هذا كله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله في جسده وما مسه من الخير والبركة.
ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بأحد منهم، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم. فدل ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص
(1)
تيسير العزيز الحميد 185، 186.
(2)
الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب ص 55. وانظر: كتاب التبرك للجديع ص 267.