الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تنبيه:
ليس المراد من التوسل بدعاء أخيه المؤمن أن يتوسل بذاته ومن قال ذلك ليتوصل إلى دعاء الموتى والاستغاثة بهم باسم التوسل ويجعلهم واسطة بينه وبين الله فإنه دعا إلى الشرك الاكبر المخرج من الملة كما بينه أئمة الإسلام وهو أكثر من أن يذكر يقول الشنقيطي رحمه الله: "وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى، وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى. واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] "
(1)
.
واعلم أن أهل البدع لا يفرقون بين التوسل بدعاء الصالحين والاستغاثة بهم فيسمون الاستغاثة بالصالحين توسلًا بالصالحين وهذا خطأ محض لأن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر مخرج من الإسلام وسيأتي مزيد بيان لذلك.
النوع الرابع: التوسل بحال الداعي:
قال الشيخ ابن عثيمين: "أي أن يتوسل الداعي إلى الله بحاله ولا يذكر شيئا، مثل أن يقول: "اللهم إني أنا الفقير إليك، اللهم إني أنا الأسير بين يديك" وما أشبه ذلك، والدليل على ذلك: قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل: فقال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، ولم يذكر شيئًا.
ووجه هذه الآية أن حال الداعي إذا وصفها الإنسان فإنها تقتضي الرحمة واللطف والإحسان لا سيما إذا كانت بين يدي أرحم الراحمين"
(2)
.
(1)
أضواء البيان (2/ 98).
(2)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 5/ 283. وانظر: 2/ 342.
2 -
التوسل الممنوع: وهو تقرب العبد إلى الله تعالى بعمل مخالف لكتابه ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: كالتوسل إلى الله بذوات المخلوقات من الملائكة والنبيين والصالحين وغيرهم، وبالأمكنة الفاضلة: كالكعبة، والمشعر الحرام، وبالأزمنة الفاضلة: كشهر رمضان، وليلة القدر، وأشهر الحج، والأشهر الحرم، وكذلك التوسل بحق الأنبياء وجاه الأولياء والصالحين.
وسنجمل التوسل الممنوع في ثلاثة أوجه هي:
1 -
التوسل إلى الله تعالى بذوات المخلوقات كذات النبي صلى الله عليه وسلم وذوات الصالحين وغيرهم كأن يقول المُتَوسِل: اللهم إني أتوسل إليك بذات فلان. قال القدوري: "المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للمخلوق على الخالق فلا يجوز"
(1)
.
فالله سبحانه وتعالى لم يجعل ذوات الأنبياء والصالحين وسيلة إليه ولا سببًا يُتقرب بها إليه سبحانه بل الوسيلة تصديقهم واتباعهم.
قال الشنقيطي رحمه الله: "فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريقة الموصلة إلى رضا الله وجنته ورحمته هي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل"
(2)
.
فالمشروع التوسل إلى الله والتوصل إليه بدعائه وليس على الله شيء أكرم من الدعاء وأما التوسل بالذوات فإنه بدعة محدثة في الدين ليست من فعل الصحابة ولا التابعين بل هو مردود غير مقبول لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"
(3)
، بل إن الصحابة فهموا أن المراد من التوسل التوسلَ بالدعاء لا بالذوات ولذلك توسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ومعاوية
(1)
نقله شيخ الإسلام في كتابه: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 187.
(2)
أضواء البيان (2/ 98).
(3)
البخاري (2697)، ومسلم (1718).
بن أبي سفيان توسل بدعاء يزيد بن الأسود ولو كان التوسل بالذوات جائزًا وسائغًا عندهم لتوجهوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتوسلوا بذاته ولكنهم تركوا ذلك وعدلوا عنه فاستسقوا بالعباس بن عبد المطلب كما روى أنس رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا أقحطوا استستقى بالعباس فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا قال فيسقون"
(1)
.
وكان من دعائه: "اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب ولم يُكشف إلا بتوبة، وقد توجه القومُ بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا عليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة؛ فاسقنا الغيث". فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس
(2)
.
قال الإمام الصنعاني: "إن عمر إنما جعل العباس إمامًا يدعو بهم، ويستسقى ويسأل الله، لاعتقاد عمر أنه مجاب الدعوة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا أنه توسَّل به كما يتوسل القبوريون بالأموات، ولا قال عمر: أسألك بحق العباس، بل هو مثل طلب الصحابة النبي صلى الله عليه آله وسلم أن يستسقي لهم فهذا غير محل النزاع"
(3)
.
قال الشهاب الألوسي في كلامه عن هذه القضيه: "وحاشاهم -أي الصحابة- أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس وهم يجدون أدنى مساغ لذلك.
فعدولهم مع أنهم السابقون الأولون، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبحقوق الله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وما يشرع من الدعاء وما لا
(1)
أخرجه البخاري (1010).
(2)
فتح الباري: 2/ 577.
(3)
الإنصاف في حقيقة الأولياء ص 47.