الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها السيور والعهن رواه عبد بن حميد وابن جرير. فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين ما يفعله عباد القبور من دعائها، والذبح عِنْدَها، وتعليق الخيوط وإلقاء الخرق في ضرائح الأموات ونحو ذلك، فالله المستعان"
(1)
.
*
ومن هذا القبيل التبرك بالأموات بدعائهم وعبادتهم
.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن قوم يتبركون بالموتى ويقولون أنهم ما يعبدونهم بل يتبركون بهم فقال رحمه الله: "الاعتبار بالحقائق والمعنى، لا باختلاف الألفاظ، فإذا قالوا: ما نعبدهم وإنما نتبرك بهم، لم ينفعهم ذلك، ما داموا فعلوا فعل المشركين من قبلهم، وإن لم يسموا ذلك عبادة، بل سموه توسلًا أو تبركًا، فالتعلق بغير الله، ودعاء الأموات والأنبياء والصالحين والذبح لهم أو السجود لهم، أو الاستغاثة بهم، كل ذلك عبادة ولو سموها خدمة، أو سموها غير ذلك، لأن العبرة بالحقائق لا بالأسماء كما تقدم
(2)
.
* فائدة: هناك أمور تحصل فيُظن أنها من بركة فلان الميت، وهذه البركة المزعومة موهومة باطلة يزعمها الدجالون فيمن يعتقدون ولايته وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر بحيث أنه يخدم هذا الشيخ، فيكون في ذلك فتنة
(3)
.
* ومن التبرك الممنوع ما هو بدعة دون الشرك الأكبر وقد تدخل بعض صوره في الشرك الأصغر مثل أن يذبح لله في بقعة معينة، أو أن يصلي لله عِنْدَها معتقدًا البركة فهذا يعتبر تبرك وسيلة. وضابطه: أن يقصد مكانًا معينًا ليعمل عِنْدَه عملًا لله ومثله أن يتمسح بها كمن يتمسح بأعمدة المسجد الحرام، أو الكعبة تبركًا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ومع الأسف أن بعض الناس اتخذوا من
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 177.
(2)
مجموع فتاوى ابن باز ص 711.
(3)
انظر مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 185.
العبادات نوعًا من التبرك فقط مثل ما يشاهد من أن بعض الناس يمسح الركن اليماني من باب التبرك لا التعبد، وهذا جهل، وقد قال عمر في الحجر:"إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك""
(1)
.
وقال الشيخ رحمه الله: "والقاعدة: "إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببا؛ فإنه مشرك شركًا أصغر""
(2)
.
وقال أيضًا: "وأما التبرك بها: فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله عز وجل فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملة، وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر"
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ: "فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ولم تستحب الشريعة ذلك فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها أو قناة جارية أو جبلا أو مغارة وسواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها أو ليقرأ عندها أو ليذكر الله سبحانه عندها أو لينسك عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينًا ولا نوعًا"
(4)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "وفي هذا الوقت أصبح تعليق القرآن لا للاستشفاء، بل لمجرد التبرك والزينة؛ كالقلائد الذهبية، أو الحلي التي يكتب عليها لفظ الجلالة، أو آية الكرسي، أو القرآن كاملًا؛ فهذا كله من البدع"
(5)
.
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 171. وانظر القول المفيد ط 1 - 1/ 178.
(2)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 575. وانظر القول المفيد ط 1 - 2/ 93.
(3)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 231.
(4)
الاقتضاء 2/ 644.
(5)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 180. وانظر القول المفيد ط 1 - 1/ 188.
وسُئل رحمه الله عن هذه العبارات: "باسم الوطن، باسم الشعب، باسم العروبة"؟.
فأجاب قائلًا: "هذه العبارات إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبر عن العرب أو يعبر عن أهل البلد فهذا لا بأس به، وإن قصد التبرك والاستعانة فهو نوع من الشرك، وقد يكون شركًا أكبر بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بما استعان به"
(1)
.
* وتبين من هذا أن الحكم على التبرك الممنوع فيه ما هو شرك أكبر وفيه ما هو منكر دون ذلك والأمر في ذلك يعود إلى الاعتقاد القائم في قلب صاحبه.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "
…
من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما كبقعة وقبر ونحو ذلك فهو مشرك"
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: "تسمية المساجد بأسماء الأنبياء لا ينبغي لأن هذا إنما يتخذ على سبيل التقرب إلى الله عز وجل أو التبرك بأسماء الأنبياء، والتقرب إلى الله بما لم يشرعه، والتبرك بما لم يجعله الله سببًا للبركة لا ينبغي، بل هو نوع من البدع"
(3)
.
وسئل رحمه الله عن حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب؟.
فأجاب بقوله: "التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطانًا ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك فيكون من هذه الناحية بدعة أيضًا، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيرًا أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركًا أكبر إذا دعاه لجلب
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 3/ س رقم 445.
(2)
فتح المجيد ص 155.
(3)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 248.
المنفعة أو دفع المضرة"
(1)
.
وقرر الشيخ صالح الفوزان: "أن من طلب البركة من حجر أو شجر فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى، لأن الحجر والشجر لا يخلق البركة ولا يوجدها، ولا هو سبب في حصولها، وإنما الذي يوجدها هو الله سبحانه وتعالى
…
فالاعتماد على الله سبحانه وتعالى في كل الأمور، وإنما نتخذ الأسباب لأن الله امرنا باتخاذ الأسباب، وأما النتائج فهي عند الله سبحانه وتعالى، نحن لا نعتمد على الأسباب، وإنما نعتمد على الله، ونحن لا نعطل الأسباب، لأن الله أمرنا بذلك، تعطيل الأسباب عجز وتعطيل للمنافع، التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الأشياء، كما قال بعض العلماء:"الاعتماد على السبب شرك، وترك السبب قدح في الشرع"؛ لأن الشرع أمرك باتخاذ الأسباب "والاعتماد على الأسباب شرك"؛ لأنه اعتماد على غير الله.
فهذه مسألة يجب على طالب العلم أن يفقهها وأن يعرفها، وأن يتأملها جيدًا، وأن يوضحها للمسلمين، لإزاحة الشبهات، وإزاحة التضليل الذي يَرُوج عند بعض الناس بسبب الجهل، أو بسبب سوء القصد
…
والآن عَبَدة القبور يقولون: هذا ليس بشرك، هذا توسُّل، وهذا محبة للأولياء والصالحين، إن أولياء الله الصالحين لا يرضون بهذا العمل، ولا يرضون أن تُجعل قبورهم أوثانًا تُعبد من دون الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فدلّ على أن تعظيم القبور والتبرك بها يجعلها أوثانًا تُعبد من دون الله.
فالحاصل؛ أن هذا فيه دليل على أن العبرة في المعاني لا في الألفاظ، فاختلاف الألفاظ لا يؤثر، وإن سّميتموه توسّلًا، أو سّميتموه إظهارًا لشرف الصالحين، أو
(1)
مجموع فتاوى ابن عثيمين 2/ 249.
وفاءً بحقهم علينا -كما تقولون-، هذا هو الشرك، سواء بسواء، فالذي يتبرك بالحجر أو بالشجر أو بالقبر قد اتخده إلهًا، وإن كان يزعم أنه ليس بإله، الأسماء لا تغير الحقائق، إذا سميت الشرك توسلًا، أو محبة للصالحين، أو وفاءً بحقهم، نقول: الأسماء لا تغير الحقائق"
(1)
.
* فائدة: بعض الناس قد يتبرك بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن مظاهر ذلك الدعاء والصلاة عِنْدَه أو يعتقد أن الدعاء عِنْدَ قبره صلى الله عليه وسلم مستجاب أو أنه أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت أو يعتقد أن الصلاة عِنْدَ القبر أرجى للقبول فيقصد زيارته لذلك. قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ عن هذا الفعل ونحوه: "فهذا من المنكرات المبتدعة باتفاق أئمة المسلمين وهي محرمة، وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين"
(2)
.
فكل ما عمل عِنْدَه من عبادة أو اعتكاف أو ما شابهه بقصد البركة بقبره فإن هذا من البدع المحدثة في الدين.
قال شيخ الإسلام ابنُ تَيمِيَّةَ: "لو كان للأعمال عِنْدَ القبرِ فضيلة لفتح للمسلمين باب الحجر فلما منعوا من الوصول إلى القبر وأمروا بالعبادة في المسجد علم أن فضيلة العمل فيه لكونه في مسجده"
(3)
.
ومن المنكرات وضعهم اليد للتبرك على شباك حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وحلف البعض بذلك بقوله: وحق الذي وضعت يدك على شباكه، وقلت الشفاعة يا رسول الله
(4)
.
(1)
إعانة المستفيد 1/ 213، 214،223.
(2)
الرد على البكري ص: 56.
(3)
الفتاوى 27/ 236، 237. انظر: التبرك 324 وما بعدها.
(4)
حجة النبي صلى الله عليه وسلم ص 138.
ومنها ربط الخرق بالمقام والمنبر لقضاء الحاجات
(1)
.
ومنها بدعة إلصاق البطن والظهر بجدار القبر ومسحه باليد
(2)
.
ومنها إلقاء المناديل والثياب على القبر؛ بقصد التبرك
(3)
.
وهذا ومثله إن سلم صاحبه من الشرك فإنه لا يسلم من الحرمة لأنه ابتداع في الدين ومخالف لما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ومن البدع تخصيص أزمنة معينة -لم يخصها الشرع بذلك- بنوع من التعظيم والاحتفالات والعبادات، كيوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويوم الإسراء والمعراج، ويوم الهجرة، ويوم بدر، وفتح مكة وغير ذلك، فالتبرك بالأزمنة على هذا النحو من البدع.
* وينبغي نزع كل ما يفتن العامة أو يفسد عليهم اعتقادهم من الأنصاب التي يتبرك بها أو يتمسح بها فإن لم يتيسر نزعها وإزالتها فإنهم يمنعون منها ومن الوصول إليها، وقد جاء عن الحافظ أبي شامة:"أن بعض أهل العلم في إفريقية كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية، كان العامة قد افتتنوا بها يأتونها من الآفاق، فمن تعذر عليه نكاح، أو ولد قال: امضوا بي إلى العافية، فيعرف فيها فتنة، فخرج في السحر فهدمها، وأذن للصبح عليها، ثم قال: "اللهم إني هدمتها لك، فلا ترفع لها رأسًا، قال: فما رفع لها رأس إلى الآن""
(4)
.
(1)
حجة النبي صلى الله عليه وسلم الألباني ص 134.
(2)
انظر في ذلك المجموع للنووي 8/ 275. الباعث أبو شامة ص 282. مجموع الفتاوى لابنِ تَيمِيَّةَ 4/ 310 - 24/ 331 - 27/ 91. اقتضاء الصراط المستقيم ص 176. إغاثة اللهفان 1/ 194. الدين الخالص 9/ 332، 339. أحكام الجنانز الألباني ص 263.
(3)
أحكام الجنائز الألباني ص 262 رقم 186.
(4)
انظر قول الحافظ أبي محمد المعروف بأبي شامة في كتابه الحوادث والبدع نقلًا عن إغاثة اللهفان 1/ 211، 212.