الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة.
مثل أن يقول ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد، وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقي المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه من الملة بالكلية. ولهذا قال السلف، كفر دون كفر، وشرك دون شرك"
(1)
.
4 - تحقيق التوحيد
(2)
:
ويقصد بتحقق التوحيد تخليصه وتصفيته من الشرك والبدع والمعاصي. قال الشيخ سليمان بن عبد الله: "تحقيق التوحيد: هو معرفته، والاطلاع على حقيقته، والقيام بها علما وعملا، وحقيقة ذلك هو انجذاب الروح إلى الله محبة وخوفًا، وإنابة وتوكلًا، ودعاء وإخلاصًا وإجلالًا وهيبة، وتعظيما وعبادة. وبالجملة فلا يكون في قلبه شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله؟ وذلك هو حقيقة لا إله إلا الله، فإن الإله هو المألوه المعبود.
وما أحسن ما قال ابن القيم:
فلواحدٍ كن واحدًا في واحدٍ
…
أعني سبيلَ الحقِّ والإيمانِ
وذلك هو حقيقة الشهادتين، فمن قام بها على هذا الوجه فهو من السبعين ألفا
(1)
تحقيق كلمة الإخلاص ص 17، 18، انظر كتاب منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي في العقيدة 385، 387.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 830. مجموع الفتاوى لابن عثيمين 7/ 220. القول السديد لابن سعدي المجموعة 3/ 13. مجموع فتاوى ابن عثيمين 9/ 79. والقول المفيد ط 1 - 1/ 85.
الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب"
(1)
.
وفي قول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)} [النحل: 120]، يقول الشيخ سليمان بن عبد الله:"وصف الله إبراهيم عليه السلام في هذه الآية بهذه الصفات الجليلة التي هي أعلى درجات تحقيق التوحيد، ترغيبا في اتباعه في التوحيد، وتحقيق العبودية فاتباع الأوامر، وترك النواهي، فمن اتبعه في ذلك، فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب كما يدخلها إبراهيم عليه السلام"
(2)
.
والصفات التي جمعت له في هذه الآية هي:
1 -
أنه كان أمة قدوة وإمامًا معلمًا للخير وإمامًا يقتدى.
2 -
أنه كان قانتًا لله أي خاشعًا مطيعًا مداومًا للطاعة.
3 -
أنه كان حنيفًا أي مائلًا قصدًا عن الشرك.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الكلام على هذه الآية: " {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين {قَانِتًا لِلَّهِ} لا للملوك ولا للتجار المترفين، {حَنِيفًا} لا يميل يمينا ولا شمالا كفعل العلماء المفتونين، {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} خلافًا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين"
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه هو الذي جعله الله إماما لمن بعده من الناس، فلا يوجد قط مؤمن ولا منافق يظهر الإيمان إلا وهو معظم لإبراهيم، وإن كان فيهم من يكذب بكثير مما كان عليه إبراهيم. وقد جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فالأنبياء بعده من ذريته، فلا
(1)
تيسير العزيز الحميد ص 99.
(2)
تيسير العزيز الحميد ص 99.
(3)
فتح المجيد ص 88.
يوجد من يؤمن بالأنبياء إلا وهو مؤمن بإبراهيم، ولا من يدعو إلى عبادة الله في الجملة وينهى عن الشرك إلا وهو معظم لإبراهيم"
(1)
.
وشرط تحقيق التوحيد تخليصه من كل نواقضه المخرجة من الدين والملة فالشرك الأكبر مناقض لأصل التوحيد. والأصغر مناف لكماله. والبدع والمعاصي تكدر وتشوب التوحيد، وتمنع تحقيقه.
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله: "ولا يحصل كمال فضله إلا بكمال تحقيقه؛ وتحقيق التوحيد قدر زائد على ماهية التوحيد، وتحقيقه من وجهين، واجب ومندوب، فالواجب تخليصه وتصفيته عن شوائب الشرك والبدع والمعاصي. فالشرك ينافيه بالكلية، والبدع تنافي كماله الواجب، والمعاصي تقدح فيه وتنقص ثوابه، فلا يكون العبد محققا للتوحيد حتى يسلم من الشرك بنوعيه، ويسلم من البدع والمعاصي، والمندوب تحقيق المقربين، تركوا ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وحقيقته هو انجذاب الروح إلى الله، فلا يكون في قلبه شيء لغيره، فإذا حصل تحقيقه بما ذكر، فقد حصل الأمن التام، والاهتداء التام"
(2)
.
قال ابن سعدي رحمه الله: "إن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ومن البدع القولية والاعتقادية، والبدع الفعلية العملية، ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات، وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد، ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله وتعوقه عن حصول آثاره"
(3)
.
(1)
تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء 1/ 406.
(2)
حاشية كتاب التوحيد 37.
(3)
القول السديد ص 20، 21.