الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه فتفسير الصورة بمجرد الصفة التي تقوم بالأعيان، كالعلم، والقدرة، فاسد؛ لأنه لا يوجد في الكلام أن قول القائل مثلًا: صورة فلان يراد بها مجرد الصفات القائمة به من العلم، والقدرة، ونحو ذلك، بل هذا من البهتان على اللغة وأهلها.
2 -
أن لفظ الصورة إن دلّ على صفة قائمة بالموصوف، أو على صفة قائمة بالذهن واللسان، فلا بد مع ذلك أن يدل على الصورة الخارجية.
3 -
أن لفظ الحديث نهى عن ضرب الوجه وعلل ذلك بأن الله خلق آدم على صورته، فلو كان المراد من الحديث مجرد خلق آدم على الصفات لم يكن للوجه بذلك اختصاص
(1)
.
وقول ابن حجر إن الحديث إن أُعيد الضمير فيه لله وجب تأويله على ما هو معروف من مذهب الخلف الذي هو أعلم وأحكم، وإطلاقه القول بالضلال على من أثبت الصورة حقيقة ولمزه بالتجسيم وإلزامه القول بالجهة، سبق الجواب عنه بما يغني عن إعادته
(2)
.
*
آراؤه في الصفات الفعلية:
1 - صفة الكلام:
يرى ابن حجر -عفا الله عنه- أن "كلام الله اسم مشترك:
بين الكلام النفسي القديم: ومعنى إضافة الكلام له تعالى على هذا كونه صفة له.
وبين اللفظ المؤلف الحادث من السور والآيات -أي سواء قلنا إن ذلك اللفظ المؤلف هو لفظ جبريل أو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم: ومعنى إضافة الكلام إلى الله على هذا أنه مخلوق، ليس من تأليف المخلوقين.
وقد أجمع أهل السنة وغيرهم أنه لا يصح نفي كلام الله عن ذلك اللفظ المؤلف
…
"
(3)
.
(1)
انظر: بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس، تحقيق: عبد الرحمن اليحيى (2/ 485 - 537).
(2)
انظر: (ص 302)، (ص 293)، (ص 308).
(3)
الفتاوى الحديثية (ص 278)، وانظر: التعرف (ص 66)، فتح الإله (ص 3، 104، 105، 142، 145).
ويعتقد ابن حجر -غفر الله له- أن "كلامه سبحانه
…
لا يحد بزمن، ولا يشتمل على حرف ولا صوت"
(1)
.
ومع كون ابن حجر يقول بأن كلام الله نفسيٌّ، وأنه بغير حرف ولا صوت؛ جوّز سماع كلامه سبحانه، فقال في سياقه لمذاهب الناس في سماع موسى لكلام الله:"ومذهب أهل السنة أن الله خلق له فهمًا في قلبه، وسمعًا في أذنيه وسائر بدنه، سمع به كلام الله من غير صوت ولا حرف ولا واسطة"
(2)
! .
التقويم:
الكلام صفة ذاتية لله تعالى باعتبار أصلها، فعلية باعتبار أفرادها
(3)
، وهي ثابتة لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة، والإجماع، والعقل.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)} [القصص: 30].
وقوله جل وعلا: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].
ومن السُّنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان
…
"
(4)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم! فيقول: لببك وسعديك، فيفادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار"
(5)
.
(1)
تنبيه الأخيار (ل 18).
(2)
الفتاوى الحديثية (ص 277).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (6/ 291 - 292)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 174، 186).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة (4/ 2343) برقم (7512)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (2/ 703) برقم (1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عنه.
(5)
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23](4/ 2336) برقم (7483) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة وأئمتها على إثبات صفة الكلام لله تعالى، ونقل إجماعهم غير واحد من أهل العلم
(1)
.
يقول ابن حزم رحمه الله: "أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى، وعلى أن القرآن كلام الله، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف"
(2)
.
وأما العقل: فإن الكلام صفة كمال، وضدها البكم والخرس صفة نقص، والبكم والخرس إن وجدت في المخلوق العاجز الضعيف كانت نقصًا بينًا، فكيف يصح إثباتها لمن له الكمال المطلق سبحانه؟ وكيف يهب عبده الكمال ويتصف بالنقص؟ تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
ولقد جاء القرآن الكريم بتقرير هذا المعقول أحسن تقرير، فقال تعالى في العجل الذي اتخذه قوم موسى إلهًا يعبدونه من دون الله:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: 148]، وقال:{أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه: 89] فعاب العجل بكونه قد سُلب صفة الكلام، فدل على أن سلبها صفة نقص لا تليق بالإله المعبود، وما كان ليعيب إلههم الباطل، بما هو عيب فيه، تعالى وتقدس
(3)
.
وأهل السنة والجماعة يثبتون الكلام صفة قائمة بذات الله، ويقولون إنه لم يزل متكلمًا ولا يزال، وأن كلامه تعالى متعلق بمشيئته واختياره، وأنه مسموع بالآذان حقيقة من غير توهم، وأنه بحرف وصوت، وأن القرآن الكريم من كلامه سبحانه بحروفه ومعانيه، تكلم الله به على الحقيقة
(4)
.
(1)
ممن حكى الإجماع على ذلك الأشعري في رسالته لأهل الثغر (ص 214)، وقوام السنة في الحجة (1/ 331، 332)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 304).
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 11).
(3)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 175).
(4)
انظر: خلق أفعال العباد (ص 13 - 28)، الرد على الجهمية للدارمي (ص 171 - 186)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/ 227 - 312)، عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (ص 165)، الحجة في بيان المحجة (1/ 227 - 230، 253 - 280) =