الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله واستواؤه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر، وأول من أنكر ذلك في الإسلام الجهمية
…
"
(1)
.
وعليه فما قرره ابن حجر من كون قربه سبحانه المراد به القرب المعنوي المقتضي لمزيد الإنعام والمغفرة والثواب لا القرب الحقيقي باطل من وجوه، منها:
1 -
أن القول بذلك تأويل، والتأويل في نصوص الصفات بهذا المعنى باطل كما سبق
(2)
.
2 -
أن المقتضي لهذا التأويل اعتقاد أن ظاهره يستلزم التمثيل والجسمية والحركة والانتقال، وقد سبق الجواب عنه
(3)
.
3 -
أن النصوص الواردة في صفة القرب والدنو كلها تدل على أن المراد بالقرب قرب حقيقي، ولم يرد في شيء منها ما يدل على كونه قربًا معنويًا.
4 - صفة المحبة:
يرى ابن حجر -غفر الله له- استحالة اتصاف الله تعالى بالمحبة، ويؤولها بما ينفي ظاهرها، حيث يقول:
"المشهور أن الصفات المستحيلة على الله تعالى كالرحمة والمحبة إذا أطلقت عليه المراد: مبدؤها وهو الإرادة، أو غايتها وهو التفضيل والإنعام، دون حقيقتها وهو العطف والميل النفساني
…
"
(4)
.
ويقول في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله تعالى يحبه"
(5)
:
(1)
شرح حديث النزول (ص 318، 319).
(2)
انظر: (ص 297).
(3)
انظر: (ص 293).
(4)
فتح الإله بشرح المشكاة (ص 134).
(5)
أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله (4/ 2302) برقم (7375)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة قل هو الله أحد (1/ 557) برقم (813) من حديث عائشة رضي الله عنهما به.
"أي: يثيبه ويقربه وينعم عليه، أو يريد له ذلك
…
"
(1)
.
التقويم:
المحبة صفة فعلية ثابتة لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
وقوله سبحانه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
ومن السُّنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
…
"
(2)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي"
(3)
.
وأما الإجماع: "فقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين، ومحبتهم له، وهذا أصل دين الخليل إمام الحنفاء عليه السلام"
(4)
.
وعليه فالمحبة شأنها شأن بقية الصفات التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، يثبتها أهل السنة والجماعة لله تعالى على ما يليق بجلاله، إثباتًا بلا تشبيه، وتنزيهًا بلا تعطيل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أهل السنة والجماعة المتبعون لإبراهيم وموسى ومحمد -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- يثبتون ما أثبتوه من تكليم الله، ومحبته، ورحمته، وسائر ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى"
(5)
.
وأما تأويل ابن حجر المحبة بمبدئها وهو الإرادة أو غايتها وهو الإنعام
(1)
فتح الإله بشرح المشكاة (ص 134).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب علي (3/ 1141) برقم (3702)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4/ 1872) برقم (2407) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه به.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق (4/ 2277) برقم (2965) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه به.
(4)
مجموع الفتاوى (2/ 354).
(5)
المصدر السابق (16/ 209).
فهو صرف لها عن ظاهرها المتبادر منها، وهو إثبات المحبة لله تعالى على ما بجلاله سبحانه، وهو قول باطل من وجوه:
1 -
أن القول بذلك تأويل، والتأويل في نصوص الصفات بهذا المعنى باطل -كما سبق-
(1)
.
2 -
أن المقتضي لهذا التأويل اعتقاد كون ظاهرها يستلزم التمثيل وهو باطل -كما سبق-
(2)
.
3 -
أن النصوص وردت بإثبات المحبة لله وأنه يُحِب ويُحَب، كما وردت بإثبات الود والخلة له سبحانه، ولم يرد في شيء منها تأويلها بالإرادة أو الإنعام؛ مما يدل على أن المراد بها حقيقتها
(3)
.
4 -
أن المحبة صفة كمال وضدها صفة نقص؛ وعليه فيلزم من نفي المحبة عنه اتصافه بضدها؛ إذ العلاقة بينهما علاقة سلب وإيجاب.
5 -
أنه يلزم "هؤلاء الذين ينفون أن الله يُحِب ويُحَب أن لا يبقى عندهم فرق بالنسبة إلى الله بين أوليائه وبين أعدائه، ولا بين الإيمان والكفر، ولا بين ما أمر به وما نهى عنه، ولا بين بيوته التى هى المساجد، وبين الحانات ومواضع الشرك"
(4)
.
6 -
أن تأويل ابن حجر المحبة بالإرادة والإنعام يلزمه فيه نظير ما فرّ منه، فإنه إنما تأول المحبة لزعمه أن ظاهرها يقتضي التمثيل، فيقال له: كذلك الإرادة والإنعام، فإنهما مما يتصف به المخلوق فإن كان إثباتهما لا يقتضي التمثيل فكذلك المحبة، وإن كان إثباتهما يقتضي ذلك لزم المحظور
(5)
.
(1)
انظر: (ص 297).
(2)
انظر: (ص 293).
(3)
انظر: مدارج السالكين (3/ 27 - 30)، روضة المحبين لابن القيم (ص 22)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/ 167).
(4)
منهاج السنة (5/ 325).
(5)
انظر: التدمرية (ص 31 - 32)، الصواعق المرسلة (1/ 234)، توضيح المقاصد لابن عيسى (2/ 47، 59)، وشرح النونية لهراس (1/ 302 - 315).