الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - صلاة الرغائب:
يرى ابن حجر رحمه الله بدعية صلاة الرغائب، وأنها حادثة بعد انقضاء القرون الثلاثة الفاضلة، وأن الأحاديث الواردة فيها باطلة موضوعة، وقد نقل عن أهل العلم ما يؤيد قوله هذا، ويرد على من خالفه.
يقول في ذلك:
"صلاة الرغائب هي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب
…
أطال الإمام النووي رحمه الله في فتاويه في ذمها وتقبيحها وإنكارها، فقال: "هي أي صلاة الرغائب بدعة قبيحة منكرة أشد الإنكار مشتملة على منكرات، فينبغي تركها، والإعراض عنها، والإنكار على فاعلها، وعلى ولي الأمر - وفقه الله - منع الناس من فعلها فإنه راع وكل راع مسؤول عن رعيته، وقد صنف العلماء كتبًا في إنكارها وذمها وتسفيه فاعلها، فلا تغتر بكون الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورة في قوت القلوب
(1)
، وإحياء علوم الدين
(2)
ونحوهما فإنها بدعة باطلة
…
"
(3)
.
وعبارة إحياء علوم الدين في صلاة الرغائب: "أما صلاة رجب فقد روي بإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر: 1] ثلاث مرات، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، اثنتي عشرة مرة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين مرة
= لابن القيم (ص 101) وما بعدها، مدارج السالكين (1/ 481) وما بعدها، إغاثة اللهفان (1/ 245)، نزهة الأسماع (ص 34) وما بعدها، رسالة في السماع والرقص المنبجي الحنبلي (ص 28)، الرهص والوقص لمستحل الرقص لإبراهيم الحلبي (ص 46) وما بعدها، الصاعقة المحرقة على المتصوفة الراقصة المتزندقة لمحمد صفي الدين الحنفي (ص 33).
(1)
انظر: (1/ 135).
(2)
انظر: (1/ 182).
(3)
فتاوى النووي (ص 62).
يقول: اللهم صلّ على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد فيقول في سجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبعين مرة، ثم يرفع رأسه ويقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعظم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى، ثم يسأل الله حاجته فإنها تقضى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وعدد ورق الأشجار، وشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار".
وهذه صلاة مستحبة، وإنما أوردناها في هذا القسم أي: قسم ما يتكرر بتكرر السنين كالعيدين لأنها تكرر بتكرر السنين وإن كانت لا يبلغ رتبتها رتبة التراويح وصلاة العيد، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكن أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها، ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها"
(1)
. انتهت عبارة الإحياء.
وقد تساهل الغزالي - رحمه الله تعالى - في ذلك تساهلًا كثيرًا حيث زعم أولًا أنها مروية بالسند، وثانيًا أن الآحاد نقلوها وكل ذلك باطل موضوع كذب على النبي صلى الله عليه وسلم حادث بعد الأربعمائة، ومن ثم قال الحافظ الكبير شيخ الإسلام الزين العراقي في تخريجه أحاديث الإحياء: إن هذا الحديث الذي ذكره الغزالي أورده رزين
(2)
في كتابه وهو حديث موضوع
(3)
، وقال غيره
(4)
: لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة يختص بها، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة بن شهر رجب كذب باطل.
(1)
الإحياء (1/ 182).
(2)
هو رزين بن معاوية بن عمار، أبو الحسن العبدري الأندلسي، السرقسطي، إمام محدث، من مؤلفاته: تجريد الصحاح، توفي سنة 535 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (2/ 204)، شذرات الذهب (4/ 106).
(3)
تخريج أحاديث الإحياء (1/ 182).
(4)
المراد به الحافظ ابن رجب رحمه الله قارن الكلام المذكور بلطائف المعارف (ص 228).
وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء من المتأخرين من الحفاظ أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر السمعاني
(1)
، وأبو الفضل حافظ الشام ابن ناصر
(2)
، وابن الجوزي وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون لأنها حدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها"
(3)
.
التقويم:
صلاة الرغائب هي صلاة تكون في ليلة أول جمعة من شهر رجب بين صلاتي المغرب والعشاء، ويسبقها صيام يوم الخميس قبلها
(4)
.
وصفتها على ما ذكر ابن حجر رحمه الله نقلًا عن الغزالي - غفر الله له - في كلامه المتقدم.
وهي بدعة حادثة بعد المائة الرابعة، وأول ما أحدثت ببيت المقدس وذلك بعد سنة ثمانين وأربعمائة، ولا يعرف أن أحدًا صلاها قبل ذلك
(5)
.
ولهذا يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وإنما لم يذكرها المتقدمون؛ لأنها أحدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة، فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها"
(6)
.
(1)
هو محمد بن منصور بن عبد الجبار التميمي السمعاني المروزي، أبو بكر، فقيه محدث، من مؤلفاته: الأمالي، توفي سنة 510 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 371)، شذرات الذهب (4/ 29).
(2)
هو محمد بن أبي بكر بن عبد الله القيسي الحموي الشافعي، المشهور بابن ناصر الدين، محدث فقيه، من مؤلفاته: منهاج السلامة في ميزان يوم القيامة، الرد الوافر، الترجيح لحديث صلاة التسبيح وغيرها، توفي سنة 842 هـ.
انظر: الضوء اللامع (8/ 103)، شذرات الذهب (7/ 243).
(3)
الإيضاح والبيان (ل 10/ أ - ل 11/ ب)، وانظر: فتح المبين (ص 108)، إتحاف أهل الإسلام (ص 355).
(4)
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 138).
(5)
انظر: الحوادث والبدع (ص 132).
(6)
لطائف المعارف (ص 228)، وانظر: مجموع الفتاوى (26/ 132).
وعليه فما قرره ابن حجر رحمه الله من القول ببدعيتها، والرد على من استحسنها هو الحق الذي لا محيد عنه، وذلك لما يلي:
أولًا: أنها بدعة حادثة بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة المشهود لها بالخيرية، فلم يفعلها الصحابة ولا التابعون ولا أتباعهم مع قيام المقتضي وعدم المانع، ولو كانت مشروعة لسبقونا إليها
(1)
.
ثانيًا: أن الحديث الوارد في تقرير مشروعيتها وبيان فضلها حديث باطل لا يصح، اتفق الأئمة على وضعه
(2)
.
ثالثًا: أن هذه الصلاة مخالفة للسنة من جهة وقتها للنهي الوارد عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام، ومن جهة صفتها للنهي الوارد عن عدم الطمأنينة في الصلاة
(3)
.
رابعًا: اشتمال هذه الصلاة على جملة من المنكرات الشرعية، ومنها: تأخير الفطور، وأداء العشاء الآخرة بلا قلوب حاضرة، والمبادرة إلى تعجيلها، والسجود بعد السلام لغير سهو
(4)
.
ولما سبق أنكرها جماهير أهل العلم رحمهم الله
(5)
- وكتب بعضهم رسائل في التحذير منها
(6)
.
(1)
انظر: رسالة في ذم صلاة الرغائب للعز بن عبد السلام (ص 26)، مجموع الفتاوى (26/ 132)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 613).
(2)
انظر: الموضوعات (3/ 124)، مجموع الفتاوى (26/ 132)، المنار المنيف (ص 95)، تخريج أحاديث الإحياء للعراقي (1/ 182)، اللآلئ المصنوعة (2/ 56)، الفوائد المجموعة (ص 47)، الأسرار المرفوعة (ص 289).
(3)
انظر: رسالة في ذم صلاة الرغائب (ص 29، 32).
(4)
انظر: المصدر السابق (ص 30) وما بعدها.
(5)
انظر: الحوادث والبدع (ص 132)، الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 138)، المدخل لابن الحاج (1/ 293)، مجموع الفتاوى (26/ 132)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 613)، الفتاوى الكبرى (1/ 177)، المنار المنيف (ص 95)، الاعتصام (1/ 168)، لطائف المعارف (ص 228)، الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص 166).
(6)
أفردها العز بن عبد السلام في رسالتين أحدهما في ذم صلاة الرغائب، والأخرى في رد جواز صلاة الرغائب وهما مطبوعتان، وغيره.