الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: تصديق ما صح عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس
(1)
.
يقول الإمام محمد بن نصر المروزي
(2)
رحمه الله: (الإيمان بالرسل)"أن تؤمن بمن سمى الله في كتابه من رسله، وتؤمن بأن لله سواهم رسلًا، وأنبياء لا يعلم أسماءهم إلا الذي أرسلهم، وتؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإيمانك به غير إيمانك بسائر الرسل، إيمانك بسائر الرسل: إقرارك بهم، وإيمانك بمحمد صلى الله عليه وسلم إقرارك به، وتصديقك إياه، واتباعك ما جاء به"
(3)
.
وبناء على ما سبق فما قرره ابن حجر في معنى الإيمان بالرسل، وبيانه لما يتضمنه موافق لما قرره أهل السنة والجماعة.
ثانيًا: المفاضلة بين الأنبياء:
يرى ابن حجر رحمه الله جواز المفاضلة بين الأنبياء، وأن النصوص الواردة في النهي عن ذلك مؤولة، فيقول: "جواز التفضيل بين الأنبياء هو ما عليه عامة العلماء
…
وأما قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [البقرة: 136] فهو باعتبار الإيمان بهم، وبما أنزل إليهم.
وأما الأحاديث الصحيحة: "لا تفضلوا بين الأنبياء"
(4)
، "لا تخيروا
(1)
انظر: تعظيم قدرة الصلاة (1/ 393)، المنهاج للحليمي (1/ 237 - 238)، شعب الإيمان للبيهقي (1/ 371)، جامع العلوم والحكم (1/ 102)، فتح الباري (1/ 118)، معارج القبول (2/ 677)، فتاوى ابن عثيمين (1/ 124 - 125).
(2)
هو محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، أبو عبد الله، من أئمة السلف وأعلامهم، من مؤلفاته: تعظيم قدر الصلاة، واختلاف الفقهاء، وقيام الليل وغيرها، توفي سنة 294 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 33)، شذرات الذهب (2/ 216).
(3)
تعظيم قدر الصلاة (1/ 393).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} (2/ 1060)، برقم (3414)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم (4/ 1843) برقم (2373)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
بين الأنبياء"
(1)
، فهي إما قبل علمه بالتفضيل، أو على تفضيل يؤدي إلى تنقيص أو إلى نقص مقام أحدهم، وعليهما يدل سياق الحديث، أو على التفضيل في ذات النبوة والرسالة، فإنهم كلهم مشتركون في ذلك، لا يتفاوتون فيه، وإنما يتفاوتون في زيادة الأحوال والمعارف والخصوصيات والكرامات.
وزعم حملها على التفضيل بآرائنا ليس في محله؛ لأن تفضيل ذلك بالرأي المحض مجمع على منعه، وبالدليل الدال عليه لا وجه لمنعه.
وأما الحديثان الصحيحان: "ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس ابن متى"
(2)
، "من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب"
(3)
. فحكمة التخصيص فيها بيونس نفي توهم التفاوت بينهما في القرب من الحق لاختلاف محلهما الصوري برفع نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قاب قوسين، ونزول يونس إلى قعر البحر، أي: لا تتوهموا من هذا التفاوت الصوري تفاوتًا في القرب والبعد من الله تعالى، بل نسبة كل إليه واحدة، وإن تفاوت مكاناهما
…
"
(4)
.
ويقرر ابن حجر أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على من سواه، فيقول:"وهو أفضل المخلوقين كلهم بشهادة قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة". رواه البخاري
(5)
....
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والملازمة (2/ 719)، برقم (2412)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم (4/ 1845)، برقم (2374)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} (2/ 1060) برقم (3413)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ذكر يونس عليه السلام (4/ 1846) برقم (2377)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما به.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} (2/ 1061) برقم (3415)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
(4)
المنح المكية (1/ 122)، وانظر: فتح المبين (ص 19)، والفتاوى الحديثية (ص 203، 253، 176)، الدر المنضود (ص 100)، تحفة المحتاج (1/ 14)، أشرف الوسائل (ص 77).
(5)
سبق تخريجه (ص 284).
وقوله: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وبيدي لواء الحمد، ولا فخر، وما من بني آدم فمن سواه إلا تحت لوائي" رواه الترمذي
(1)
.
ومن هذا
…
عُلِمَت أفضليته على آدم، فقوله: أنا سيد ولد آدم إما للتأدب مع آدم، أو لأنه علم فضل بعض بنيه عليه كإبراهيم فإذا فضل نبينا الأفضل من آدم فقد فضل آدم بالأولى
…
"
(2)
.
ويجمل ابن حجر الكلام في المفاضلة بين بقية الرسل والأنبياء، فيقول: "أرسل تعالى رسله بالمعجزات وخص نبينا صلى الله عليه وسلم
…
المفضل عليهم، ثم بقية أولي العزم، ويتردد النظر في نوح وعيسى، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء"
(3)
.
وقال: "إبراهيم أفضل الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم"
(4)
.
التقويم:
القول بجواز المفاضلة بين الأنبياء والرسل مما تدل عليه نصوص الكتاب، والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253].
وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].
(1)
أخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل (5/ 288) برقم (3148)، وابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الشفاعة (2/ 1440) برقم (4308)، وأحمد (17/ 10) برقم (10987) من طرق عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن".
(2)
فتح المبين (ص 19 - 20)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 176، 203، 253)، المنح المكية (1/ 119، 122، 158، 1465)، أشرف الوسائل (ص 77)، تحفة المحتاج (1/ 14)، الدر المنضود (ص 36، 100)، مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 24)، التعرف (ص 115 - 117)، العمدة شرح البردة (243، 250، 286، 542).
(3)
التعرف (ص 114 - 116).
(4)
الدر المنضود (ص 100).
ومن السُّنَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم
…
"
(1)
.
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء كافة على أن الرسل أفضل من الأنبياء -كما سبق
(2)
- وأجمعوا على المفاضلة بين آحادهم -كما سيأتي-
(3)
.
وأما النصوص الواردة في النهي عن المفاضلة -والتي ذكر ابن حجر بعضها- فقد اختلف أهل العلم في توجيهها، وذهبوا في ذلك مذهبين:
أحدهما: مذهب الجمع: وهو مذهب أكثر أهل العلم، واختلف هؤلاء في وجهه على أقوال
(4)
، وقد ذكر ابن حجر في كلامه السابق بعضًا منها.
والثاني: مذهب النسخ: وهو مذهب بعض أهل العلم، حيث قالوا بنسخ نصوص النهي عن التفضيل بما ورد في المفاضلة
(5)
.
وأصح المذهبين -فيما يظهر لي- مذهب الجمع، وأولى الأقوال فيه القول بأن نصوص النهي عن المفاضلة محمولة على ما كان يؤدي إلى توهم لنقص في المفضول أو الغض منه، أو كان على وجه الإزراء به، ونصوص المفاضلة محمولة على ما خلا عن ذلك
(6)
.
وبناء على ما سبق فما ذكره ابن حجر من كون القول بجواز المفاضلة هو ما عليه عامة العلماء، وأن النهي عن ذلك لا يعارضه مما وافق فيه أهل العلم، وأصاب فيه الحق.
وأما تحقيق القول في المفاضلة، بين الرسل والأنبياء فلا شك ولا
(1)
سبق تخريجه (ص 284).
(2)
انظر: (ص 410).
(3)
انظر: (ص 416).
(4)
انظر: مشكل الآثار (1/ 308)، تأويل مختلف الحديث (ص 109)، دلائل النبوة (5/ 491 - 500)، معالم السنن (4/ 286)، المنهاج في شعب الإيمان (2/ 117)، شرح صحيح مسلم (15/ 43)، شرح الطحاوية (1/ 159)، فتح الباري (6/ 446).
(5)
انظر: تفسير القرطبي (3/ 262)، شرح صحيح مسلم (15/ 43)، فتح الباري (6/ 452).
(6)
اختار هذا القول الخطابي كما في معالم السنن له (4/ 286)، والحليمي كما في المنهاج له (2/ 117)، وشيخ الإسلام كما في منهاج السنة (7/ 256)، والفتاوى (14/ 436)، وابن أبي العز كما في شرحه على الطحاوية (1/ 159).
ريب أن أفضل الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتواتر النصوص في ذلك، وقيام إجماع أهل العلم عليه.
فقد تواترت نصوص الكتاب والسنة نصًا وظاهرًا في الدلالة على أفضليته صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء والرسل، وأوردها غير واحد من أهل العلم ممن كتبوا في خصائصه صلى الله عليه وسلم
(1)
، وأجمعت الأمة على القول بمقتضاها
(2)
.
يقول القاضي عياض رحمه الله: "لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد آدم، وأفضل الناس منزلة، عند الله، وأعلاهم درجة، وأقربهم زلفى، واعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدًّا"
(3)
.
وقرر السلف ذلك في عقائدهم، وعدوه من معاقد العقائد، التي يجب الإيمان بها، فقد عقد الإمام الآجري في كتاب الشريعة بابًا بعنوان:"باب ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء عليهم السلام"
(4)
، وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته:"فصل: ونعتقد أن محمدًا المصطفى خير الخلائق، وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل، وأعلاهم درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة"
(5)
.
ويلي نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم في الفضل بقية أولي العزم الذين أثنى الله عليهم، وأمر نبيه بالاقتداء بهم في قوله سبحانه:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35].
وقد اختلف أهل العلم في تعيينهم، فمنهم من عينهم بالصفة، ومنهم من عينهم بالتسمية، وأصح الأقوال أنهم الخمسة المذكورون نصًا في
(1)
انظر: غاية السؤل في خصائص الرسول لابن الملقن (ص 223)، اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم للخيضري (2/ 5)، الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 314)، مرشد المحتار إلى خصائص النبي المختار لابن طولون (ص 323).
(2)
انظر: في حكاية إجماعهم الشفا للقاضي عياض (1/ 215)، تفسير الرازي (6/ 195)، تفسير ابن كثير (3/ 53).
(3)
الشفا (1/ 215).
(4)
الشريعة (3/ 1552).
(5)
الاقتصاد في الاعتقاد (ص 196).