الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولنا: لا إله إلا الله فمن إيماننا، فتلفظنا بها أيضًا من أعمالنا، وأما ماهية الكلمة الملفوظة فهي غير مخلوقة لأنها من القرآن"
(1)
.
3 -
أن الثابت عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله القول بالتفصيل المتقدم أيضًا، لا القول بعدم خلقه.
فقد سئل رحمه الله عن الإيمان مخلوق أم لا؟ فقال: "أما ما كان من مسموع فهو غير مخلوق، وأما ما كان من عمل الجوارح فهو مخلوق"
(2)
.
ثانيهما: تقريره في توجيه ما ذهب إليه الإمام أحمد وجماعة من أهل الحديث فيما حكاه الأشعري أن كلام الله قديم، وأن الله منزه عن قيام الحوادث به، وأن صفات الله الفعلية حادثة، وقد تقدم بيان ما في ذلك من الإجمال والرد عليه بما يغني عن تكراره
(3)
.
خامسًا: الفرق بين الإيمان والإسلام:
يرى ابن حجر رحمه الله التفريق بين الإيمان والإسلام، حيث قال: "الأظهر أن الإيمان والإسلام متلازما المفهوم فلا ينفك أحدهما عن الآخر وإن اختلف المفهومان، أو مترادفان فلا يوجد شرعًا إيمان من غير إسلام ولا عكسه
…
إذا تقرر ذلك فحيث ورد ما يدل على تغايرهما
…
كما في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} الآية [لحجرات: 14] فهو باعتبار أصل مفهومهما.
وحيث ورد ما يدل على اتحادهما كقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)} الاية [الذاريات: 35] فهو باعتبار تلازم المفهومين أو ترادفهما.
من هنا قال كثيرون: إنهما على وزان الفقير والمسكين فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، وإن قرن بينهما تغايرًا
…
(1)
سير أعلام النبلاء (12/ 630).
(2)
طبقات الحنابلة (1/ 93 - 94).
(3)
انظر: (ص 330).
وحيث فسرنا الإيمان بالأعمال فهو باعتبار إطلاقه على متعلقاته لِمَا مرّ أنه تصديق بأمور مخصوصة
…
"
(1)
.
التقويم:
اختلف أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في الإيمان والإسلام هل هما بمعنى واحد، أم معان متغايرة؟ والخلاف جار بين أهل السنة والجماعة على قولين:
أحدهما: أن الإيمان والإسلام بمعنى واحد، وممن قال بهذا القول: البخاري
(2)
، ومحمد بن نصر
(3)
، وابن مندة
(4)
، وابن عبد البر
(5)
-رحم الله الجميع-.
وثانيهما: أن الإيمان والإسلام مفترقان، وهو قول كثير من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
(6)
، واختاره الخلال
(7)
(8)
، وابن بطة
(9)
، والخطابي
(10)
، واللالكائي
(11)
(12)
، وأبو يعلى
(13)
، وأبو القاسم
(1)
فتح المبين (ص 74 - 75)، وانظر:(ص 62، 65)، تحفة المحتاج (1/ 29)، تطهير اللسان (ص 193).
(2)
انظر: الصحيح (1/ 27)، وفي شرح مذهبه فتح الباري (1/ 114).
(3)
انظر: تعظيم قدر الصلاة (2/ 506 - 531).
(4)
انظر: الإيمان له (1/ 321).
(5)
انظر: التمهيد (9/ 247، 250).
(6)
انظر: السنة للخلال (3/ 602)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 812).
(7)
هو أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، أبو بكر، سلفي حنبلي، من أبرز علماء الحنابلة، من مؤلفاته: السنة، الجامع لعلوم أحمد، والحث على التجارة والصناعة والعمل، وغيرها، توفي سنة 311 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 297)، شذرات الذهب (2/ 261).
(8)
انظر: السنة له (3/ 602).
(9)
انظر: الشرح والإبانة (ص 182).
(10)
انظر: معالم السنن (4/ 315).
(11)
هو هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي، أبو القاسم، سلفي شافعي، من مؤلفاته: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، وكرامات الأولياء وغيرها، توفي سنة 418 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 419)، شذرات الذهب (3/ 211).
(12)
انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 812).
(13)
انظر: مسائل الإيمان (ص 421 - 436).
الأصبهاني
(1)
(2)
، والبغوي
(3)
، وابن الصلاح
(4)
، وابن تيمية
(5)
، وابن كثير
(6)
، وابن رجب
(7)
-رحم الله الجميع-.
والقول بذلك هو القول الذي تعضده الأدلة، وتدل عليه، ومنها:
قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
وحديث سعد بن أبي وقاص حين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رهطًا وترك رجلًا هو أعجبهم إلى سعد فقال سعد: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ إني لأراه مؤمنًا، فقال:"أو مسلمًا"
(8)
.
وحديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان ففرق بينهما
(9)
.
واختلف القائلون بالتفريق بينهما في تحديد وجهه، والأكثر على أنه إذا قرن بينهما فإن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة والإيمان يفسر بالأعمال الباطنة، كما في حديث جبريل وغيره من الآيات والأحاديث التي قرنت بينهما.
وأما إذا أفرد أحدهما فيدخل فيه الآخر، كما في حديث وفد
(1)
هو إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي التيمي الأصبهاني، المعروف بأبي القاسم بقوام السنة، سلفي شافعي، من مؤلفاته: الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، دلائل النبوة، سير السلف الصالحين وغيرها، توفي سنة 535 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (2/ 8)، شذرات الذهب (4/ 105).
(2)
انظر: الحجة في بيان المحجة (1/ 406 - 407).
(3)
انظر: شرح صحيح مسلم (1/ 145).
(4)
انظر: المصدر السابق (1/ 148)، الإيمان لابن تيمية (ص 345).
(5)
انظر: الإيمان له (ص 343، 349).
(6)
انظر: تفسيره (4/ 230).
(7)
انظر: جامع العلوم والحكم (1/ 105 - 108).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة (1/ 33) برقم (27)، ومسلم، كتاب الإيمان باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه (1/ 132) برقم (150).
(9)
سبق تخريجه (ص 367).
عبد القيس حيث فسر الإيمان بما فسر به الإسلام، وكما في حديث عمرو بن عبسة حيث فسر الإسلام بما فسر به الإيمان.
ففي حديث وفد عبد القيس قال صلى الله عليه وسلم: "آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان
…
" الحديث
(1)
.
وفي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: أي الإسلام أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان"، قال: وما الإيمان؟ قال: "تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت"
(2)
.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "اسم الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده، فإذا قرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه الآخر بانفراده ودل الآخر على الباقي، وقد صرح بهذا جماعة من الأئمة"
(3)
.
وعليه فما قرره ابن حجر رحمه الله من التفريق بين الإيمان والإسلام، ونقله عن الكثيرين في تحديد وجهه موافق لقول جمهور أهل العلم.
إلا أنه يؤخذ عليه أنه جعل تفسير الإيمان بالأعمال من إطلاقه على بعض متعلقاته لا من إطلاق بعضه على كله، وذلك مبني على قوله بأن الإيمان هو مجرد التصديق، وأن الأعمال غير داخلة في مسماه، وقد تقدم الرد عليه
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان (1/ 41) برقم (53)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم (1/ 47 - 48) برقم (17).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11/ 127) برقم (20107)، ومن طريقه أحمد (28/ 251 - 252) برقم (17027)، وعبد بن حميد في المنتخب (1/ 269) برقم (301) عن معمر بن راشد، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه به.
وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 59)(3/ 207) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
(3)
جامع العلوم والحكم (1/ 106).
(4)
انظر: (ص 665).