الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليختبرهم أو ليظهر عجزهم وكذبهم فهذا لا بأس به، وقد يكون واجبًا
(1)
، ويدل عليه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد
(2)
.
والثاني: حرمة تصديقهم وكون ذلك كفرًا، يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "ظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان، لاعتقاده أنه يعلم الغيب
…
"
(3)
.
والثالث: عدم قبول صلاة من أتى الكاهن والعراف أربعين يومًا، ومعنى ذلك أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة؛ ويدل على ذلك كون العلماء متفقين على أنه لا يلزم من أتى العراف والكاهن إعادة صلوات أربعين ليلة
(4)
.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين من الآتي"
(5)
.
يريد بذلك أن الآتي إليهم إن لم يصدقهم في أقوالهم ففيه الوعيد بعدم قبول الصلاة أربعين يومًا، وإن صدقهم ففيه الوعيد بكفره، ويشهد لهذا الجمع روايات الحديث (
6).
6 -
التنجيم:
يرى ابن حجر رحمه الله أن التنجيم هو الاشتغال بعلم النجوم، وأن العلوم المتعلقة به مختلفة، حيث قال: "العلوم المتعلقة بالنجوم:
منها ما هو واجب: كالاستدلال بها على القبلة والأوقات واختلاف المطالع واتحادها ونحو ذلك.
(1)
انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (2/ 49).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟ (2/ 939) برقم (3055)، ومسلم، كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد (4/ 2240) برقم (2924) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 409).
(4)
انظر: شرح صحيح مسلم (722/ 14).
(5)
فتح الباري (10/ 217).
(6)
انظر: تيسير العزيز الحميد (ص 409 - 410).
ومنها ما هو جائز: كالاستدلال بها على منازل القمر وعروض البلاد ونحوهما.
ومنها ما هو حرام: كالاستدلال بها على وقوع الأشياء المغيبة بأن يقضي بوقوع بعضها مستدلًا بها عليه"
(1)
.
وقال في بيان المنهي عنه من علم النجوم: "المنهي عنه من علم النجوم هو ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيّر الأسعار، ونحو ذلك، يزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وأفتراقها وظهورها في بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه أحد غيره، فمن ادعى علمه بذلك فهو فاسق بل ربما يؤدي به ذلك إلى الكفر"
(2)
.
وبيّن أن دعوى الكسوف والخسوف وقرب نزول الغيث وما شابه ذلك مما هو معتمد على أمور جعلها الله علامات على حصول تلك الأشياء ليس من ادعاء علم الغيب أو التنجيم المنهي عنه، حيث قال:"أما من يقول إن الاقتران والافتراق الذي هو كذا جعله الله علامة بمقتضى ما اطردت به عادته الإلهية على وقوع كذا وقد يتخلف فإنه لا إثم عليه بذلك"
(3)
.
وقال أيضًا: "دعوى الكسوف والخسوف ليست من علم الغيب في شيء، لأنه يُدركه بالحساب فلا ضلال فيه ولا كفر، لكن يكره الاشتغال به لأنه مما لا يعني، وفي الخبر به قبل وروده ضرر في الدين
…
"
(4)
.
وذكر ابن حجر اختلاف العلماء في المنجم، وبيّن رأيه فيه فقال:"وحاصل مذهبنا في ذلك أنه متى اعتقد أن لغير الله تأثيرًا كفر فيستتاب فإن تاب وإلا قتل سواء أسرَّ بذلك أم أظهره"، وكذا لو اعتقد أنه يعلم الغيب المشار إليه بقوله تعالى:{لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] لأنه مكذب للقرآن، فإن خلا عن اعتقاد هذين فلا كفر، بل ولا إثم إن قال علمت ذلك
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 68).
(2)
الزواجر (2/ 110) وانظر: الإعلام بقواطع الإسلام (ص 304).
(3)
الزواجر (2/ 110).
(4)
الفتاوى الحديثية (ص 372).
بواسطة القُرْبَة والعادة الإلهية ونحو ذلك"
(1)
.
التقويم:
التنجيم في اللغة: مصدر "نَجَّمَ" المشتق من النجم، وهو الكوكب.
والتنجيم، صنعة المُنَجِّم، وهو الذي ينظر في النجوم ويحسب مواقيتها وسيرها
(2)
.
وأما في الاصطلاح: فقد اختلفت عبارات الناس في تعريفه، ويجمعها القول بأنه ادعاء معرفة ما يكون في الأرض قبل كونه
(3)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريف التنجيم: هو "الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، والتمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية كما يزعمون"
(4)
.
وما قرره ابن حجر من التفصيل في حكم التنجيم وأن منه ما هو جائز أو واجب، ومنه ما هو محرم وكفر هو ما عليه جمهور السلف
(5)
.
يقول الخطيب البغدادي
(6)
رحمه الله: "علم النجوم يشتمل على ضربين:
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 373).
(2)
انظر: معجم مقاييس اللغة (ص 1014)، الصحاح (5/ 2039)، لسان العرب (12/ 570)، القاموس المحيط (ص 1499).
(3)
انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 83)، معالم السنن (5/ 371)، مقدمة ابن خلدون (ص 519)، مفتاح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زاده (1/ 337)، كشف الظنون لحاجي خليفة (2/ 1930)، وللاستزادة: التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام لعبد المجيد المشعبي (ص 31)، مقدمة الدكتور يوسف السعيد على القول في علم النجوم للخطيب البغدادي (ص 104).
(4)
مجموع الفتاوى (35/ 192).
(5)
انظر: شرح السنة للبغوي (12/ 183)، معالم السنن (5/ 371 - 372)، القول في علم النجوم للخطيب البغدادي (ص 126)، الترغيب والترهيب للمنذري (4/ 190)، تيسير العزيز الحميد (ص 441 - 442).
(6)
هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، أبو بكر الخطيب، أحد أعلام المحدثين، سلفي المعتقد، مكثر من التصنيف، من مصنفاته: القول في علم النجوم، تاريخ بغداد، تقييد العلم، توفي سنة 463 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 270)، شذرات الذهب (3/ 311).
أحدهما: مباح
…
والآخر: محظور
…
"
(1)
.
وكذا ما ذكره من كون العلم بالكسوف والخسوف ونحوهما ليس من ادعاء علم الغيب ولا من التنجيم المنهي عنه إذا لم يجزم بذلك أو ادعى أن النجوم فاعلة بنفسها؛ لأن ذلك مما يعلم بالحساب والمشاهدة وليست بأمور خفية، كما يعلم وقت طلوع الهلال بالحساب، ويعلم وقت نزول المطر بمشاهدة الرياح، وهذا من ربط الأسباب بمسبباتها، والأمور بمقدماتها وليس من التنجيم في شيء، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} [الأعراف: 57]، وقال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} [الفرقان: 48]. وقال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)} [الروم: 46]، ولأن فاعل ذلك لا يجزم بما يقول، أو يدعي أن النجوم فاعلة بنفسها، وإنما يخبر بما يغلب على ظنه معتمدًا على حسابه أو مشاهدته ولهذا يقع الخطأ كثيرًا في خبره
(2)
.
والقول: بكفر المنجم -كما ذكر ابن حجر- هو الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ إذ فعله يتضمن دعوى مشاركة الله تعالى في علم الغيب الذي اختص به، والكفر بما أخبر به جل وعلا من كون الغيب لا يعلم به أحد سواه كما قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} [الجن: 26]،
(1)
القول في علم النجوم (ص 126).
(2)
انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1/ 320 - 321)، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله الغنيمان (1/ 112)، التنجيم والمنجمون (ص 305)، مقدمة محقق القول في علم النجوم (ص 91).