الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن عساكر في تاريخه
(1)
من طريق الحسن بن علي البصري، عن أحمد بن المقدام العجلي، عن الفضيل بن عياض، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن زاذان، عن سلمان الفارسي زحبه حديثًا بنحوه، ولفظه: "كنت أنا وعلي نورًا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم باربعة عشر ألف عام
…
".
وفيه: الحسن بن علي البصري، متهم بالكذب
(2)
، والحديث معدود في طوامه
(3)
.
قال العلامة محمود شكري الألوسي: "هذا الحديث موضوع قطعًا بإجماع أهل السنة"
(4)
.
جـ - وأما حديث: "لما خلق الله تعالى آدم جعل ذلك النور يدور في ظهره
…
".
فلم أجد بعد البحث من خرَّجه من أهل الحديث، وإنما ذكره بعضهم دون عزو.
وأما ما زعمه ابن حجر من كون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل كل حواسه نورًا إظهارًا لوقوع ذلك، وأنه لم يكن له ظل لكونه نورًا صرفًا فهو من مجازفاته؛ إذ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لا يعني إظهار وقوعه وإلا لمنعت أمته من الدعاء بمثله، ودعوى كونه صلى الله عليه وسلم نورًا صرفًا لا ظل له لم يشهد لها ما يدل عليها ومثلها مما تتوافر الهمم لنقله.
3 - اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه المقصود من الخلق، والممد لها، وخليفة الله فيها:
يقول في ذلك: "اعلم أن الله تعالى شرف نبيه بسبق نبوته في سابق أزليته، وذلك أنه تعالى لما تعلقت إرادته بإيجاد الخلق أبرز الحقيقة المحمدية من محض نوره، قبل وجود ما هو كائن من المخلوقات بعد، ثم سلخ العوالم كلها، ثم أعلمه تعالى بسبق نبوته وبشره بعظيم رسالته، كل
(1)
انظر: تاريخ دمشق (1/ 137).
(2)
انظر: ميزان الاعتدال (1/ 507)، لسان الميزان (2/ 229).
(3)
انظر: المصدران السابقان.
(4)
مختصر التحفة الاثني عشرية (ص 168).
ذلك وآدم لم يوجد، ثم انبجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فظهر بالملأ الأعلى أصلًا ممدًا للعوالم كلها"
(1)
.
ويقول في شرحه لقول البوصيري:
"كل فضل في العالمين فمن فضـ
…
ـل النبي استعاره الفضلاء"
(2)
"كل فضل وجد في العالمين الإنس والملائكة والجن فهو كائن من فضل ذلك النبي الأكرم على ربه من سائر الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، .. استعاره
…
الفضلاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم الممد لهم، إذ هو الوارث للحضرة الإلهية، والمستمد منها بلا واسطة دون غيره، فإنه لا يستمد منها إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم، فلا يصل لكامل شيء إلا وهو من بعض مدده، وعلى يديه، فآيات كل نبي إنما هي مقتبسة من نوره؛ لأنه كالشمس وهم كالكواكب، فهي غير مضيئة بذاتها، وإنما هي مستمدة من نور الشمس، فإذا غابت أظهرت أنوارها، فهم قبل وجوده صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يظهرون فضله، وأنوارهم مستمدة من نوره الفائض ومدده الواسع.
ألا ترى أن ظهور خلافة آدم، وإحاطته بالأسماء كلها، إنما هو مستمد من جوامع الكلم المخصوص به نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم توالت الخلائق إلى زمن بروز جسمه الشريف، فلما أبرز كان كالشمس اندرج في نوره كل نور، وانطوى تحت منشور آياته كل آية لغيره من الأنبياء
…
"
(3)
.
ويقول في معرض ذكره لآداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: "ينبغي له أن يستحضر حياته المكرمة في قبره المكرم، وأنه يعلم بزائريه على اختلاف درجاتم وأحوالهم وقلوبهم وأعمالهم، وأنه صلى الله عليه وسلم يمد كلًّا منهم بما يناسب ما هو عليه، وأنه خليفة الله الذي جعل خزائن كرمه، وموائد نعمه طوع يديه وتحت إرادته يعطي منهما من يشاء، ويمنع منهما من يشاء، وأنه لا يمكن أحدًا أن يصل إلى الحضرة العلية من غير طريقه
…
"
(4)
.
(1)
مولد النبي صلى الله عليه وسلم (ص 34 - 36)، وانظر: العمدة شرح البردة (ص 220).
(2)
الهمزية مع شرحها المنح المكية (2/ 653).
(3)
المنح المكية (2/ 653).
(4)
الجوهر المنظم (ص 42).
التقويم:
ما ذكره ابن حجر- غفر الله له - من كون النبي صلى الله عليه وسلم هو المقصود من الخلق، وهو الممد لها، وخليفة الله فيها، منقول عن جماعة من غلاة المتصوفة
(1)
، وهو باطل من وجوه:
1 -
أن القول بذلك يعارض النصوص الشرعية الدالة على أن المقصود من الخلق ابتلاؤهم بالعبادة كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]. وقوله سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، وأن الله تعالى هو الممد للمخلوقات والمتصرف فيها كيف يشاء كقوله عز وجل:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284]. وقوله جلَّ وعلا: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)} [المائدة: 17].
2 -
أن القول بذلك ينافي بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وما أخبر الله به عنه وأخبر هو عن نفسه كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110]، وقوله عز وجل:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)} [الأعراف: 188]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا"
(2)
.
3 -
أن هذا القول مأخوذ من بعض الفلسفات الفاسدة، والعقائد الباطلة كالفلسفة الهندية، والعقيدة النصرانية
(3)
.
(1)
انظر: الإبريز للدباغ (ص 252، 260)، حجة الله على العالمين للنبهاني (ص 14، 52).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214](3/ 1497) برقم (4771) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
(3)
انظر: الجواب الصحيح (3/ 384)، حقيقة الصوفية للقاسم (ص 280)، مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية (1/ 393).