الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معصومون قبل النبوة وبعدها -كما سيأتي-
(1)
.
وأما ما ذكره ابن حجر رحمه الله في الجواب عما وقع في قصتهم فلم أقف على من ذكره من أهل العلم، وهو غريب منه؛ إذ ما وقع من إخوة يوسف من أصول المحرمات التي تتفق الشرائع على تحريمها.
والراجح -والله أعلم- القول بعدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "اعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق (يعني: سياق قصتهم) يدل على خلاف ذلك.
ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ} [البقرة: 136] وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالًا لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم"
(2)
.
3 - إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
-:
يرى ابن حجر -غفر الله له- نبوة إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث سئل عن قول النووي رحمه الله:"وأما ما روي عن بعض المتقدمين: (لو عاش إبراهيم كان نبيًّا) فباطل، وجسارة على الكلام في المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم"
(3)
هل هو صحيح أم لا؟
فأجاب بقوله: "قد تعجب منه شيخ الإسلام في الإصابة، وقال: "إنه ورد عن ثلاثة من الصحابة، ولا يظن بالصحابي أنه هجم على مثل هذا بظنه"
(4)
.
(1)
انظر: (ص 433).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 514)، وانظر: جامع المسائل (3/ 297 - 299).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 103).
(4)
الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 321).
صح عن أنس رضي الله عنه أنه سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم قال: "لا أدري رحمة الله على إبراهيم لو عاش لكان صديقًا نبيًّا".
وفي رواية عن أنس أنه رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن مندة والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن عساكر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أيضًا وقال: فيه من ليس بالقوي عن علي بن أبي طالب: "لما توفي إبراهيم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه مارية فجاءت وغسلته وكفنته وخرج به وخرج الناس معه فدفنه، وأدخل صلى الله عليه وسلم يده في قبره فقال: "أما والله إنه نبي ابن نبي، وبكى وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت، ثم قال صلى الله عليه وسلم:"تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون"
…
ولا بُعد في إثبات النبوة له مع صغره لأنه كعيسى القائل يوم ولد: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم: 30]، وكيحيى الذي قال تعالى فيه:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
واحتمال نزول جبريل بوحي لعيسى أو يحيى يجري في إبراهيم، ويرجحه أنه صلى الله عليه وسلم صوَّمه يوم عاشوراء وعمره ثمانية أشهر
…
وبه يعلم تحقيق نبوة سيدنا إبراهيم في حال صغره"
(1)
.
التقويم:
تواترت نصوص الوحيين الدالة على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وتعددت أوجه دلالاتهما نصًّا وظاهرًا.
قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وقال صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي
…
"
(2)
.
(1)
الفتاوى الحديثية (ص 235 - 236)، وانظر:(ص 239).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (2/ 1074) برقم (3455)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء (3/ 1471) برقم (1842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به.
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"
(1)
.
وأجمع أهل العلم على أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، وعدوا ذلك من خصائصه على سائر الرسل
(2)
، ومنهم ابن حجر -كما سيأتي-
(3)
.
وما ذكره ابن حجر من إثبات نبوة إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مُعارضٌ بما تقدم، واستدلاله بما ذكر لا يصح، وبيان هذا أن الأحاديث الواردة في ذلك قسمان:
أحدهما: الأحاديث الدالة على نبوته مطلقًا، ولم يرد في ذلك إلا حديث واحد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"إنه نبي ابن نبي".
والجواب عنه: أن الحديث أخرجه ابن عساكر
(4)
من طريق عيسى بن عبد الله عن أبيه، عن جده، عن أبي جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.
والحديث ضعيف؛ لضعف عيسى بن عبد الله، وبه أعل ابن عساكر الحديث، حيث قال عقيبه:"عيسى هو ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ليس بالقوي"
(5)
.
ثانيهما: الأحاديث الدالة على نبوته المعلقة بحياته:
وقد ورد ذلك من حديث ثلاثة من الصحابة: أنس، وابن عباس، وجابر رضي الله عنهم.
فأما حديث أنس: فقد أخرجه ابن سعد
(6)
، وأحمد
(7)
، وابن مندة
(8)
،
(1)
أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة (3/ 1331) برقم (4416)، ومسلم كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي (4/ 1870) برقم (2404) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه به.
(2)
انظر: غاية السول (ص 256)، اللفظ المكرم (2/ 5)، مرشد المحتار (ص 348)، الخصائص الكبرى (2/ 318).
(3)
انظر: (ص 450).
(4)
انظر: تاريخ دمشق (3/ 144 - 145).
(5)
انظر: المصدر السابق (3/ 144 - 145).
(6)
انظر: الطبقات (1/ 140).
(7)
انظر: المسند (19/ 359) رقم: (12358)، (21/ 402) رقم:(13985).
(8)
انظر: فتح الباري (10/ 476).
وأبو نعيم
(1)
، من طرق عن السدي، عن أنس رضي الله عنه أنه قال:"لو عاش إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقًا نبيًّا".
زاد ابن مندة: "ولكن لم يكن ليبقى؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء".
والحديث صححه الحافظ ابن حجر
(2)
، والعلامة الألباني وقال:"على شرط مسلم"
(3)
.
وأما حديث ابن عباس: فقد أخرجه ابن ماجه
(4)
، وابن مندة
(5)
، من طريق إبراهيم بن عثمان، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وقال: "إن له مرضعًا في الجنة، ولو عاش لكان صديقًا نبيًّا
…
".
والحديث ضعيف، فيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة الواسطي، قال الحافظ ابن حجر:"متروك الحديث"
(6)
.
وقد ضعف الحديث لأجله الحافظ ابن حجر
(7)
، والعلامة البوصيري
(8)
(9)
والشيخ الألباني
(10)
.
وأما حديث جابر: فقد أخرجه ابن عساكر
(11)
من طريق أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا".
(1)
انظر: معرفة الصحابة (1/ 206).
(2)
انظر: فتح الباري (10/ 476).
(3)
انظر: السلسلة الضعيفة (1/ 388).
(4)
انظر: السنن، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله وذكر وفاته (1/ 484) رقم (1511).
(5)
انظر: الإصابة (1/ 319).
(6)
التقريب (ص 112)، وانظر: تهذيب الكمال (2/ 147).
(7)
انظر: الإصابة (1/ 319).
(8)
انظر: زوائد ابن ماجه (1/ 484).
(9)
هو أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سَليم، البوصيري، الكناني، الشافعي، من مؤلفاته: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، زوائد نوادر الأصول، توفي سنة 840 هـ.
انظر: الضوء اللامع (1/ 251)، شذرات الذهب (7/ 233).
(10)
انظر: السلسلة الضعيفة (1/ 387).
(11)
انظر: تاريخ دمشق (3/ 138 - 139).