الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما ذكره ابن حجر في الرد على المعتزلة وتمحلاتهم في تأويل أدلة الرؤية
(1)
موافق لما قرره أهل السنة والجماعة (
2).
2 -
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة المعراج:
ذكر ابن حجر رحمه الله اختلاف أهل العلم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة المعراج، ورجح رؤيته له بعيني رأسه، حيث قال:
"اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه في هذا المقام الذي وصل إليه دون غيره من الخلق بعين رأسه أو بعين قلبه فقط؟
والذي صح عن ابن عباس في رواية: أنه رآه ببصره، وفي أخرى: أنه رآه بقلبه ولا تخالف؛ لأنه صح عنه كما رواه الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح إلا واحدًا، فوثقه ابن حبان:"أنه رآه مرتين: واحدة بالعين، وواحدة بالقلب"
…
ورواية ابن مردويه عنه: "لم يره بعينه" لم تصح
(3)
، وبتسليمها فالإثبات مقدم على النفي.
(1)
انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 262 - 265)، متشابه القرآن (ص 296 - 298)، الكشاف (2/ 113 - 114).
(2)
انظر: بيان تلبيس الجهمية (2/ 423)، حادي الأرواح (ص 374)، شرح العقيدة الطحاوية (1/ 200).
(3)
اختلفت الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما وتعددت أقواله في المسألة وقد استوعبها الحافظ ابن حجر في الغنية في مسألة الرؤية وساقها معزوة إلى أصحابها.
والرواية التي ذكرها ابن حجر هنا أخرجها الطبراني في الكبير (12/ 90) برقم (12564) من طريق جمهور بن منصور، عن إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما بها.
قال الهيثمي في المجمع (1/ 79): "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، خلا جمهور بن منصور الكوفي، وجمهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات".
وكلامه متعقب بضعف مجالد واختلاطه، قال الحافظ في التقريب (ص 920) برقم (6520):"مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمر الكوفي، ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، مات سنة 144 هـ".
ورواية ابن مردويه التي ذكرها ابن حجر وأعلّها، أخرجها الدارقطني في الرؤية (ص 354) برقم (280) من طريق محمد بن مخلد، عن محمد بن هارون الأنصاري، عن معمر بن سهل، عن عمر بن مدرك، عن العرزمي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما بها. =
وجاء عن أنس بإسناد قوي: "رأى محمد ربه"
(1)
وإطلاق الرؤية إنما ينصرف لرؤية العين.
وكان الحسن البصري يحلف أنه رأى ربه
(2)
.
وبذلك قال عروة
(3)
، وسائر أصحاب ابن عباس، وجزم به كعب الأحبار
(4)
، والزهري
(5)
، ومعمر
(6)
وآخرون، وهو قول الأشعري وغالب أتباعه.
وأنكرت عائشة وابن مسعود الرؤية
…
= وإسنادها ضعيف جدًّا، فيه عمر بن مدرك أبو حفص القاص الرازي، كذبه ابن معين.
انظر: ترجمته في تاريخ بغداد (11/ 211 - 213)، والميزان (3/ 223).
(1)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 188) برقم (432)، وابن خزيمة في التوحيد (2/ 487) برقم (280) من طريق أبي بحر البكرواي، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه به.
وفيه أبو بحر البكرواي، قال في التقريب (ص 590) برقم (3968):"هو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عثمان بن أبي بكرة الثقفي، أبو بحر البكرواي، ضعيف مات سنة 195 هـ".
وأعله به الألباني في تخريج السنة.
(2)
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (2/ 488) برقم (281) من طريق إسماعيل بن خزيمة، عن عبد الرزاق، عن المعتمر بن سليمان، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، به.
ورجال إسناده ثقات غير إسماعيل بن خزيمة فلم أجد له ترجمة، والمبارك بن فضالة صدوق.
(3)
هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، ولد في أوائل خلافة عثمان رضي الله عنه وتوفي سنة 94 هـ على الصحيح.
انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 421)، شذرات الذهب (1/ 103).
(4)
هو كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، ثقة، مخضرم، مات في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه.
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 489)، شذرات الذهب (1/ 40).
(5)
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر، فقيه حافظ متفق على جلالته وإتقانه، توفي سنة 125 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 326)، شذرات الذهب (1/ 162).
(6)
هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، ثفة ثبت فاضل، توفي سنة 154 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 5)، شذرات الذهب (1/ 235).
وسئل أحمد عن قول عائشة: "من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية"، فقال: يدفع قولها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي"
(1)
، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "أكبر"
(2)
.
وقال في سياق ذكر معتقده في الرؤية: "وتجوز رؤيته في الدنيا، لكن لم تقع يقظة إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ليلة المعراج التي أسرى فيها بجسمه الشريف يقظة"
(3)
.
التقويم:
اختلفت أقوال السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، وهي في مجملها على ثلاثة أضرب:
الأول: أقوال تثبت الرؤية مطلقًا.
الثاني: أقوال تنفي الرؤية مطلقًا.
الثالث: أقوال تقيد الرؤية بالرؤية القلبية لا البصرية.
ومن ثم اختلف أهل العلم بعدهم في تحرير أقوالهم على مذهبين:
المذهب الأول: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تضاد لا تنوع يوجب الترجيح بينها لا الجمع، واختلف القائلون بذلك في القول الراجح منها ووجهه.
والمذهب الثاني: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تنوع لا
(1)
أخرجه أحمد (4/ 350) برقم (2580)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 191) برقم (440)، وعبد الله بن أحمد في السنة (2/ 484) برقم (1116)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 512) برقم (897)، والدارقطني في الرؤية (ص 345) برقم (264) من طرق عن أسود بن عامر، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
قال الهيثمي في المجمع (1/ 78): "رجاله رجال الصحيح".
والحديث صححه الألباني في تحقيقه للسنة لابن أبي عاصم.
(2)
المنح المكية (1/ 422 - 424).
(3)
التعرف (1/ 110)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 200، 288).
تضاد يوجب الجمع لا الترجيح
(1)
.
والمذهب الثاني هو الصحيح -والله أعلم- واختاره جمع من المحققين منهم شيخ الاسلام ابن تيمية
(2)
، وتلميذه ابن القيم
(3)
، وابن كثير
(4)
، وابن أبي العز
(5)
، والسفاريني
(6)
، والشنقيطي
(7)
، وغيرهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين"، وعائشة أنكرت الرؤية.
فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول:"رأى محمد ربه"، وتارة يقول:"رآه محمد" ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح أنه رآه بعينه
…
وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل:
كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل
(1)
انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (2/ 477 - 563)، الرؤية للدارقطني (ص 308 - 361)، شرح اعتقاد أهل السنة (2/ 513 - 523)، الحجة في بيان المحجة (2/ 252)، شرح السنة للبغوي (12/ 228)، مجموع الفتاوى (2/ 335، 3/ 386، 6/ 509)، زاد المعاد (3/ 37)، تفسير ابن كثير (4/ 263)، العلو للذهبي (1/ 765 - 774)، شرح الطحاوية (1/ 222 - 225)، فتح الباري (8/ 608)، ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص 180)، أقاويل الثقات للكرمي (ص 196 - 197)، لوامع الأنوار البهية (2/ 250 - 256)، أضواء البيان (3/ 363)، وللاستزادة: الغنية في مسألة الرؤية، رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه للتميمي، رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها للحمد (ص 138).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (6/ 509 - 510).
(3)
انظر: زاد المعاد (3/ 37 - 38).
(4)
انظر: تفسيره (4/ 263).
(5)
انظر: شرح الطحاوية (1/ 222، 275).
(6)
انظر: لوامع الأنوار البهية (2/ 254 - 255).
(7)
انظر: أضواء البيان (3/ 399).
رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه"
(1)
.
وقد قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]، ولو كان قد رآه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وكذا قوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)} [النجم: 12]، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18]، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قال: "هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به"
(2)
وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه"
(3)
.
وأما ما قرره ابن حجر من القول بالرؤية البصرية فهو قول مرجوح، واستدلاله بما ذكر لا يُسلَّم له، وبيان ذلك فيما يلي:
أ- أما ما ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما فالجواب عنه:
أن الروايات عن ابن عباس متعددة، ورواتها اختلفوا عليه فيها، والثابت عنه إطلاق الرؤية أو تقييدها بالفؤاد، وما عداهما ضعيف لا يثبت
(4)
.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ
(1)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام:"نور أنا أراه"(1/ 161) برقم (291).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (3/ 1461) برقم (4716).
(3)
مجموع الفتاوى (6/ 509 - 510).
(4)
انظر: سياق الروايات عنه وتخريجها في مجموع الفتاوى (6/ 509)، زاد المعاد (3/ 37)، تفسير ابن كثير (4/ 263)، الغنية في مسألة الرؤية (ص 31).
مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} [فاطر: 11 - 12]
…
قال ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين
…
وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد.
ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم"
(1)
.
ب- وأما ما ذكره عن أنس، وكعب الأحبار، والحسن البصري، وعروة، ومعمر، والزهري من القول بالرؤية البصرية، فالجواب عنه:
أن أقوال هؤلاء لا تدل على الرؤية البصرية، بل على مطلق الرؤية
(2)
.
ولهذا يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم[يعني: الرؤية البصرية].
وقول البغوي في تفسيره
(3)
: ذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه، وهو قول أنس والحسن وعكرمة، فيه نظر، والله أعلم"
(4)
.
وأما قول ابن حجر بأن إطلاق الرؤية ينصرف لرؤية العين فهو متعقب بأن (الرؤية) لفظ مشترك يحدده سياق الكلام وقرائنه.
جـ- وأما ما ذكره عن الإمام أحمد رحمه الله من إنكاره قول عائشة رضي الله عنها، فالجواب عنه:
أن المروي عن أحمد إطلاق الرؤية أو تقييدها برؤية الفؤاد دون الرؤية
(1)
تفسير ابن كثير (4/ 263).
(2)
انظر: سياق أقوالهم وتخريجها في الرؤية للدارقطني (ص 308 - 361)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 512 - 523)، كتاب التوحيد لابن خزيمة (2/ 477 - 563)، الغنية في مسألة الرؤية.
(3)
(7/ 403).
(4)
تفسير ابن كثير (4/ 263).