الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذا يتضح خطأ ابن حجر في قصره التفريق بين الكرامة والمعجزة على دعوى النبوة ودلالة كل منهما، وصوابه في التفريق بين الكرامة وخوارق السحر باعتبار حال من وقعت منه.
ثالثًا: جواز الكرامة ووقوعها، والرد على من خالف ذلك:
قرر ابن حجر رحمه الله جواز الكرامة ووقوعها، ورد على من أنكرها، فقال: "أنكر جماعة محرومون - كأكثر المعتزلة، وإن وافقهم بعض منا لكن يتعين تأويل كلامه لأن جلالته تأبى أن يرضى بهذا الزيف الذي انتحلوه - جواز الكرامة ووقوعها
…
ومن أدلة الجواز: أن الوقوع ممكن كالمعجزة، وقدرة الله تعالى شاملة لهما، ولا بدع أن الملك يصدق رسوله بخرق بعض العادات، ثم يفعل مثل ذلك ببعض أتباعه إكرامًا له.
ومن أدلة الوقوع: النص القاطع بما وقع لمريم: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران: 37]، وفي ولادة عيسى، ولأصحاب الكهف، ولوزير سليمان في عرش بلقيس، ونظائر ذلك
…
والتواتر المعنوي وإن كانت التفاصيل آحادًا في كرامات الصحابة لا سيما فيما وقع لعمر، وعلي، وتوابعهم، ومن بعدهم، إلى زماننا
…
"
(1)
.
وقد ساق ابن حجر جملة من الكرامات لمن ثبتت ولايته كعمر وعلي
(2)
رضي الله عنهما وبعض من يدعي الولاية كابن عربي وغيره
(3)
.
التقويم:
ما قرره ابن حجر من جواز الكرامة ووقوعها موافق لما عليه أهل السنة والجماعة
(4)
.
(1)
المنح المكية (3/ 1466 - 1467)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 148، 395، 405).
(2)
انظر: الصواعق المحرقة (1/ 293)(2/ 375).
(3)
انظر: الفتاوى الحديثية (ص 397 - 399)، المنح المكية (3/ 1469).
(4)
انظر: كرامات الأولياء للالكائي (ص 70)، وما بعدها، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 745)، لوامع الأنوار البهية (2/ 394)، وللاستزادة: كرامات الأولياء لعبد الله العنقري.
وأما ما ذكره عن المعتزلة من إنكارهم ذلك، فهو مبني على قولهم بأن المعجزة والكرامة وخوارق السحر من جنس واحد، ومن ثم قالوا: لو أثبتنا الكرامة لاشتبهت بالمعجزة والتبس أمر النبي بالولي فنفوا الكرامة حتى يسلم لهم دليل النبوة
(1)
.
وقولهم باطل من وجوه، منها:
1 -
أن إنكار الكرامة هو بمنزلة إنكار البدهيات، فإن العقل يدل على جوازها، والحس يدل على وقوعها
(2)
، وهو ما أشار إليه ابن حجر في كلامه السابق.
2 -
أن إنكار الكرامة مبني على القول بأن المعجزة والكرامة وخوارق السحر من جنس واحد، وهو قول باطل كما سبق
(3)
.
3 -
أن الكرامة تفارق المعجزة في أمور عديدة فلا يمكن اشتباههما والتباس أصحابهما
(4)
.
ومراد ابن حجر رحمه الله بمن وافق المعتزلة من أصحابه الأشاعرة أبو إسحاق الإسفراييني
(5)
، وهو محق في الاعتذار عنه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قالت طائفة: لا تخرق العادة إلا لنبي وكذَّبوا بما يُذكَر من خوارق السحرة والكهان، وبكرامات الصالحين.
وهذه طريقة أكثر المعتزلة
…
بل يحكى هذا القول عن أبي إسحاق
(1)
انظر: المغني (15/ 241 - 243)، أعلام النبوة (ص 62)، الكشاف (4/ 150).
(2)
انظر: كرامات أولياء الله عز وجل للالكائي (ص 70)، وما بعدها، النبوات (1/ 132)، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 752)، الإنصاف في حقيقة الأولياء للصنعاني (ص 64)، الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (2/ 1061)، لوامع الأنوار (2/ 394).
(3)
انظر: (ص 438).
(4)
انظر: (ص 475).
(5)
هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني، أشعري شافعي، من مؤلفاته: جامع الخلي في أصول الدين والرد على الملحدين، توفي سنة 418 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 353)، شذرات الذهب (3/ 209).
الإسفراييني، وأبي محمد بن أبي زيد
(1)
ولكن كأن في الحكاية عنهما غلطًا، وإنما أرادوا الفرق بين الجنسين"
(2)
.
وأما ما ساقه ابن حجر - غفر الله له - من قصص بعض الأولياء وكراماتهم فيشوب بعضه مخالفة ما قرره أهل السنة والجماعة، بل وما قرره هو في كلامه عن الكرامات، كحكايته عن بعضهم إحياء الموتى كرامة له، وتجويزه ذلك وقوله بوقوعه، وحكايته خوارق من ثبتت عدم ولايته وصلاحه من غلاة الملاحدة كابن عربي وأمثاله.
* * *
(1)
هو عبد الله بن أبي زيد القيرواني، أبو محمد، سلفي مالكي، من مؤلفاته: الرسالة، الجامع وغيرهما، توفي سنة: 386 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 10)، شذرات الذهب (3/ 131).
(2)
النبوات (1/ 129 - 132).