الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
أن يكون المكرِه قادرًا على تحقيق ما أوعد به.
2 -
أن يكون المكرَه عاجزًا عن الدفع عن نفسه.
3 -
أن يغلب على الظن وقوع الوعيد بترك ما أكره عليه.
4 -
أن يكون الإكراه ملجأ يلحق المكرَه بسببه ضررٌ كثيرٌ لا يسيرٌ
(1)
.
وعليه فما قرره ابن حجر رحمه الله من الإعذار بالإكراه والمنع من التكفير مع وجوده موافق لقول أهل السنة والجماعة إلا أنه يؤخذ عليه أيضًا إطلاقه الإعذار به دون تقييد ذلك بالإكراه المعتبر الذي يستجمع الشروط السابقة.
رابعًا: اعتبار المقاصد في التكفير:
يرى ابن حجر رحمه الله أن المعتبر في الحكم بالكفر هو الظاهر دون الباطن، حيث يقول:
"المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود والنيات ولا نظر لقرائن حاله"
(2)
.
التقويم:
الحكم بالكفر يتناول الظاهر والباطن للتلازم بينهما، وهو فرع عن القول بأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
(3)
.
ولهذا فإن الاعتقادات والأقوال والأعمال الكفرية من حيث هي قسمان
(4)
:
الأول: ما لا يحتمل إلا الكفر.
كسب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه، وإهانة المصحف ونحو ذلك؛ فإن هذه الأعمال لا تحتمل إلا الكفر فلا ينظر إلى قصد من عملها ولا إلى نيته ولا إلى قرائن أحواله.
(1)
انظر: فتح الباري (12/ 311).
(2)
الإعلام بقواطع الإسلام (ص 282)، وانظر:(ص 185).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (7/ 582، 616، 621)، شرح الأصفهانية (ص 142).
(4)
انظر: ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة للدكتور عبد الله القرني (ص 212 - 217).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرًا وباطنًا سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل"
(1)
.
ويقول: "لو أخذ يلقي المصحف في الحش، ويقول أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبيًّا من الأنبياء، ويقول أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذبًا فيما أظهره من القول"
(2)
.
والحكم بالكفر هنا إنما هو للفعل لا للفاعل، إذ لا يلزم من الحكم بكفر الفعل تكفير الفاعل؛ لكون تكفيره يتوقف على وجود الشروط وانتقاء الموانع.
والثاني: ما يحتمل الكفر وعدمه:
كالسجود لغير الله، وإفشاء سر المسلمين لعدوهم ونحو ذلك؛ فإن هذه الأعمال تحتمل الكفر وعدمه، فالمعتبر فيها قصد من عملها ونيته وقرائن أحواله.
فالسجود لغير الله يحتمل أن يكون عبادة وقربة، فهو حينئذ كفر، ويحتمل أن يكون تعظيمًا وتحية، فهو حينئذ معصية؛ ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر معاذ رضي الله عنه بمجرد سجوده له، وإنما استفصل منه
(3)
.
ففي الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "لَمّا قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا يا معاذ؟ قال: أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، فإني لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت
(1)
الصارم المسلول (3/ 955).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 616)، وانظر: شرح الأصفهانية (ص 142)، أعلام الموقعين (3/ 107).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (4/ 360).
المرأة أن تسجد لزوجها"
(1)
.
وكذا إفشاء سر المسلمين لعدوهم يحتمل الموالاة والإعانة، وهو حينئذ كفر، ويحتمل إرادة مصلحة دنيوية، وهو حينئذ معصية؛ ولهذا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بمجرد مكاتبته لقريش بأمر مسير الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إليهم لفتح مكة، وإنما استفصل منه
(2)
.
ففي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجَل عليَّ يا رسول الله، إني كنت امرءًا من قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصنع إليهم يدًا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال رسول الله: إنه صدقكم، فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه، فقال: إنه شهد بدرًا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
(3)
.
وبما سبق يُعلم خطأ ابن حجر -غفر الله له- في إطلاق القول بأن المدار في الحكم بالكفر على الظواهر وأنه لا نظر إلى المقاصد أو النيات أو القرائن من جهة، ومناقضة قوله هذا لِمَا سبق نقله عنه من كون الحكم بالكفر في حق من ظهر منه قول أو عمل مكفر إنما هو بسبب كونه دليلًا على تكذيب القلب أو عدم الانقياد الباطن من جهة أخرى.
(1)
أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب حق الزوج على المرأة (1/ 595) برقم (1853)، وعبد الرزاق (11/ 301) برقم (20596)، وأحمد (32/ 145) برقم (19403)، وابن حبان (9/ 479) برقم (4171)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 292) من طرق عن القاسم بن عوف الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.
قال الهيثمي في المجمع (4/ 309): "رجاله رجال الصحيح"، والحديث له شواهد من حديث معاذ بن جبل، وزيد بن أرقم، وصهيب وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
(2)
انظر: الأم (4/ 264).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا (3/ 1215) برقم (3985)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر وقصة حاطب (4/ 1941) برقم (2494).