الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: أن يكون احتجاج آدم بالقدر على المصيبة لا على المعصية، والقدر يحتج به على المصائب دون المعايب.
والثاني: أن يكون احتجاج آدم بالقدر على المعصية لا على المصيبة، ولكن احتجاجه به بعد وقوعه في المعصية وتوبته منها لدفع ملامة موسى عليه السلام.
ولا خلاف في جواز الاحتجاج بالقدر في هاتين الحالتين بخلاف ما دونهما، وعليهما يحمل الحديث
(1)
.
ومما سبق يعلم صحّة ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله من بطلان الاحتجاج بالقدر على المعاصي، وتوجيهه احتجاج آدم عليه السلام بوقوعه بعد التّوبة ولغرض دفع الملامة.
2 - ردّ القضاء بالدّعاء:
يقول ابن حجر رحمه الله: "قال بعض المبتدعة [بإبطال] الدّعاء من أصله، وقالوا: لا فائدة له؛ لأنّه إن سبق وصول المدعو به للدّاعي، فالدّعاء بوصوله عبث، وإلا فهو عبث أيضًا.
وردّ عليهم أهل السّنّة:
…
أنّ المقدّرات على قسمين: منها ما أُبرم وهو المعبّر عنه بما في أمّ الكتاب الذي لا يقبل تغييرًا ولا تبديلًا، ومنها ما عُلّق على فعل شيء، وهو المعبّر عنه باللوح المحفوظ القابل للتّغيير والتّبديل، وأصل ذلك قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} [الرعد: 39]
…
وكذلك الدّعاء قد يكون المدعو به معلّقًا على الدّعاء فكان للدّعاء فائدة أي فائدة.
على أنّ الدّعاء لا يخيب أبدًا؛ لأنّه إن كان بما عُلِّق على الدّعاء فواضح وجود الفائدة فيه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يردّ القضاء إلا
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (9/ 318)، شفاء العليل (1/ 93 - 95)، شرح الطحاوية (1/ 135 - 136).
الدّعاء"
(1)
، وإن كان بما لم يُعلَّق على ذلك ففائدته الثّواب لأنّ الدّعاء من العبادة بل من أنهاها
…
وأيضًا فيبدل الله الدّاعي بدل ما دعا به بما لم يقدر له بما هو مثل ذلك، أو أفضل منه، كما يليق بجوده وكرمه وسعة فضله وحلمه
…
"
(2)
.
التّقويم:
تواترت آي الكتاب ونصوص السّنّة في الحثّ على الدّعاء، والتّحذير من تركه
(3)
.
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55].
وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر: 60].
وقال عز وجل: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
وقال صلى الله عليه وسلم: "الدّعاء هو العبادة"
(4)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب ما جاء في القدر (1/ 35) برقم (90)، ووكيع في الزهد (3/ 711) برقم (407)، وابن أبي شيبة (10/ 441 - 442)، وأحمد (37/ 68) برقم (22386)، وهناد في الزهد (2/ 491) برقم (1009)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 169) برقم (3069)، والطبراني في الكبير (2/ 100) برقم (1442)، والحاكم (1/ 493)، والبغوي في شرح السنة (13/ 6) من طرق عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان رضي الله عنه به.
والحديث بهذا الإسناد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهما متعقبان بجهالة عبد الله بن أبي الجعد.
وقد أورده العلامة الألباني في الصحيحة (1/ 236) برقم (154) وحسّنه لشواهده.
(2)
الفتاوى الحديثية (ص 171)، وانظر: فتح المبين (ص 273)، أسنى المطالب (ص 118).
(3)
انظر: الدعاء لمحمد بن فضيل الضبي، والدعاء لحسين بن إسماعيل المحاملي، والدعاء للطبراني، وشأن الدعاء للخطابي (ص 6)، الدعاء المأثور وآدابه للطرطوشي (ص 37)، الترغيب في الدعاء والحث عليه لعبد الغني المقدسي (ص 11).
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الدعاء (2/ 161) برقم (1479)، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء (5/ 426) برقم (3372)، وابن ماجه كتاب الدعاء باب فضل الدعاء (2/ 1258) برقم (3828)، وأحمد (30/ 297) برقم (18352)، والبخاري في الأدب المفرد (ص 249) برقم (714)، والطبراني في الصغير=
"وإذا أراد الله بعبد خيرًا ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سببًا للخير الذي قضاه له"
(1)
.
والذي يدلّ عليه الكتاب، والسّنّة، والفطرة، والعقل، والمشاهدة، والحسّ، أنّ الدّعاء سبب من الأسباب وأنّ له تأثيرًا في المطلوب المسؤول كسائر الأسباب المقدّرة والمشروعة، والقول بذلك مذهب أهل الملل كلّهم سوى من شذّ منهم
(2)
.
يقول العلامة ابن أبي العز رحمه الله: "الذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم أنّ الدّعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع، ودفع المضار
…
وذهب قوم من المتفلسفة، وغالية المتصوفة إلى أن الدعاء لا فائدة فيه!
قالوا: لأن المشيئة: الإلهية إن اقتضت وجود المطلوب، فلا حاجة إلى الدعاء، وإن لم تقتضه، فلا فائدة في الدّعاء
…
وجواب الشّبهة: بمنع المقدمتين.
فإن قولهم عن المشيئة الإلهية إمّا أن تقتضيه أو لا، ثم قسم ثالث، وهو أن تقتضيه بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدّعاء من شرطه
…
= (2/ 97)، والحاكم في المستدرك (1/ 491) من طرق عن يُسَيْع الكندي، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه به.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 49): "إسناده جيد".
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 712).
(2)
انظر: شأن الدعاء للخطابي (ص 6)، جامع الرسائل (1/ 87)، منهاج السنة (5/ 362)، مجموع الفتاوى (8/ 138، 192، 530)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 712)، زاد المعاد (3/ 481)، مدارج السالكين (3/ 104)، شرح الطحاوية (2/ 680)، دفع الشبهة والغرر للكرمي (ص 74)، بحث في أن إجابة الدعاء لا تنافي سبق القضاء للشوكاني ضمن الفتح الرباني (1/ 387)، وللاستزادة: الدعاء ومنزلته في العقيدة الإسلامية لجيلان العروسي (1/ 311).