الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد في تعريف النبي والرسول، والفرق بينهما
النبي: مأخوذ من (النبأ) بمعنى الخبر، أو (النَّبَاوَة) أو (النَّبْوَة) بمعنى العلو والرفعة
(1)
.
والرسول مأخوذ من (الإرسال) بمعنى التوجيه، أو (الرَّسلُ) بمعنى التتابع
(2)
.
وكل هذه المعاني متحققة في النبي والرسول.
وقد أشار ابن حجر إلى ذلك فقال: "النبيء بالهمزة من النبأ وهو الخبر؛ لأن النبي مخبر عن الله تعالى، وبتركه من النبا مهملًا ومن النَبَوة وهي الرفعة؛ لأن النبي مرفوع الرتبة على غيره"
(3)
، "والرسل جمع رسول"
(4)
.
وقد اختلف الناس في تعريف النبي والرسول، والفرق بينهما على قولين:
أحدهما: أنهما بمعنى واحد، ولا فرق بينهما
(5)
.
(1)
انظر: تهذيب اللغة (4/ 3489)، معجم مقاييس اللغة (ص 1009)، الصحاح (1/ 74)، لسان العرب (1/ 162)، القاموس المحيط (ص 1722).
(2)
انظر: تهذيب اللغة (2/ 1407)، معجم مقاييس اللغة (ص 402)، الصحاح (4/ 1708)، لسان العرب (11/ 283)، القاموس المحيط (ص 1300).
(3)
فتح المبين (ص 203)، وانظر: فتح الجواد (1/ 9)، البدائع الجليلة (ل 11/ ب).
(4)
فتح المبين (ص 11).
(5)
انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 567)، أعلام النبوة للماوردي (ص 70)، غاية المرام (ص 317)، المواقف (ص 337).
ثانيهما: أنهما متغايران
(1)
.
والقول بالمغايرة بينهما، وثبوت الفرق فيهما هو قول الجمهور، وإن اختلفوا في تحديد وجهه
(2)
.
والقول بذلك هو ما قرره ابن حجر رحمه الله حيث قال في تعريف النبي والرسول: "هو ذكر حر من بني آدم أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر به فرسول أيضًا وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ"
(3)
.
ويشكل على ما ذكره ابن حجر رحمه الله في الفرق بين النبي والرسول ثبوت الإرسال في حق النبي، وحصول الكتمان بعدم البلاغ.
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله: "آية الحج تبين أن ما اشتهر على ألسنة أهل العلم من أن النبي هو من أوحي إليه وحي ولم يؤمر بتبليغه، وأن الرسول هو النبي الذي أوحي إليه وأمر بتبليغ ما أوحي إليه غير صحيح؛ لأن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج: 52] يدل على أن كلًّا منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير"
(4)
.
ولهذا فإن أصح التعاريف وأسلمها من الاعتراضات -فيما يظهر لي- تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: "النبي هو الذي ينبئه الله، وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خَالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة، فهو نبي وليس برسول
…
"
(5)
.
(1)
انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 298)، والمنهاج للحليمي (1/ 239)، والدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 380)، والفصل له (5/ 119 - 120)، والنبوات لابن تيمية (2/ 714)، شرح الطحاوية (1/ 155)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 49)، أضواء البيان (5/ 735)، وللاستزادة كتاب النبي والرسول د. أحمد بن ناصر الحمد.
(2)
انظر: المصادر السابقة.
(3)
فتح الجواد (1/ 9)، وانظر: تحفة المحتاج (1/ 14)، المنهاج القويم (ص 9)، فتح المبين (ص 11، 18، 202)، المنح المكية (1/ 117)، التعرف (ص 116)، الإيعاب (1/ 26)، البدائع الجليلة (ل 11)، العمدة شرح البردة (ص 226).
(4)
أضواء البيان (5/ 735).
(5)
النبوات (2/ 714).
وعليه فالنبي والرسول بينهما عموم وخصوص مطلق، وكذا النبوة والرسالة، فالرسالة أعم من جهة نفسها؛ إذ النبوة داخلة في الرسالة، كما أنها أخص من جهة أهلها؛ إذ كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، والرسالة أفضل من النبوة، والرسول أفضل من النبي
(1)
.
يقول العلامة السفاريني رحمه الله: "بيّن النبي والرسول عموم وخصوص مطلق، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، والرسول أفضل من النبي إجماعًا لتميزه بالرسالة التي هي أفضل من النبوة على الأصح خلافًا لابن عبد السلام
(2)
(3)
(4)
.
وقد قرر ابن حجر رحمه الله ذلك في مواضع من كتبه، ورد على العز بن عبد السلام قوله هذا، منها قوله: "مر تفسير (النبي والرسول) بما يُعلم منه أن بينهما عمومًا مطلقًا
…
ورُد ما عليه ابن عبد السلام من تفضيل النبوة لتعلقها بالحق على الرسالة لتعلقها بالخلق؛ ووجه رده أن الرسالة فيها التعلقان كما هو ظاهر، والكلام في نبوة الرسول مع رسالته وإلا فالرسول أفضل من النبي قطعًا"
(5)
.
* * *
(1)
انظر الإيمان لابن تيمية (ص 6 - 7)، شرح الطحاوية (1/ 155)، لوامع الأنوار البهية (1/ 49 - 50).
(2)
هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي المشهور بالعز بن عبد السلام، أشعري شافعي، من مؤلفاته: ملحة الاعتقاد، قواعد الأحكام، التفسير، توفي سنة 660 هـ.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 209)، شذرات الذهب (5/ 301).
(3)
انظر: كلام العز بن عبد السلام المشار إليه في كتابه قواعد الأحكام الكبرى (ص 237).
(4)
لوامع الأنوار البهية (1/ 49 - 50).
(5)
فتح المبين (ص 18)، وانظر: الدر المنضود (ص 34)، المنهاج القويم (ص 9)، الإيعاب (1/ 26)، الفتاوى الحديثية (ص 205).