الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم على ذلك حق؛ فإن أهل العلم قد أنكروا كل طواف بغيرها شرع الله التطوُّف به أيًا كان موضعه
(1)
.
والطواف بالقبور تارة يكون شركًا أكبر مخرجًا من الملة وذلك في حق من أراد بطوافه غير الله تعالى والتقرب إليه كصاحب القبر أو الضريح، وهذا هو الغالب في حال الطائفين بالقبور، وتارة يكون بدعة منكرة وذلك في حق من أراد بطوافه وجه الله والتقرب إليه ظنًا منه أن ذلك مما يتقرب به إلى الله كما يتقرب إليه بالطواف بالكعبة المشرفة، فإن بيّن له خطأ ظنه فأصر عليه كفر
(2)
.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الطواف بالبيت العتيق مما أمر الله به ورسوله، وأما الطواف بالأنبياء والصالحين فحرام بإجماع المسلمين، ومن اعتقد ذلك دينًا فهو كافر، سواء طاف ببدنه أو بقبره"
(3)
.
ويقول أيضًا: "ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة
…
فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتخذ مكانًا يطاف به كما يطاف بالكعبة؟ والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله بحال
…
"
(4)
.
جـ - اتخاذ السرج على القبور:
يرى ابن حجر رحمه الله تحريم اتخاذ السرج على القبور، وأن ذلك من الكبائر
(5)
، وأن قول الشافعية بكراهة اتخاذ السرج على القبور محمول على
(1)
انظر: تنبيه الغافلين لابن النحاس (ص 297)، سير أعلام النبلاء (16/ 264)، الأمر بالاتباع للسيوطي (ص 183)، الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (ص 120)، كشاف القناع للبهوتي (2/ 140).
(2)
انظر: الباعث على إنكار البدع (ص 120)، مجموع الفتاوى (2/ 308)(27/ 10)، إغاثة اللهفان لابن القيم (1/ 194)، تجريد التوحيد المفيد للمقريزي (ص 58)، أحكام الجنائز للألباني (ص 263).
(3)
مجموع الفتاوى (2/ 308).
(4)
المصدر السابق (27/ 10).
(5)
انظر: الزواجر (1/ 165).
ما لم يقصد به التعظيم والتبرك بصاحب القبر أو على ما لم يكن فيه إسراف وتبذير.
يقول في ذلك: "يحمل قول أصحابنا: بكراهة ذلك على ما إذا لم يقصد به تعظيمًا وتبركًا بذي القبر"
(1)
.
ويقول: "كلام أصحابنا
…
مصرح بكراهتها دون حرمتها، فضلًا عن كونها كبيرة، فليحمل [أي: عد اتخاذ السرج على القبور من الكبائر]
…
على ما إذا عظمت مفاسدها
…
كأن يسرف في الإيقاد عليها لأنه من التبذير والإسراف وإنفاق المال في المحرمات"
(2)
.
ويقول أيضًا: "نعم صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قلّ حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر وعللوه بالإسراف وإضاعة المال والتشبه بالمجوس
(3)
فلا يبعد في هذا حينئذ أن يكون كبيرة"
(4)
.
التقويم:
اتخاذ السرج على القبور وسيلة إلى عبادتها وتعظيمها، والتذلل والخضوع لها، وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله؛ ولهذا ورد النهي عن ذلك ولعن فاعله، وعده جمع من أهل العلم من كبائر الذنوب، وحكى الإجماع على تحريمه غير واحد منهم
(5)
.
فقد رُوي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
الزواجر (1/ 149).
(2)
المصدر السابق (1/ 166).
(3)
المجوس: هم قوم يدينون بالمجوسية وهي إحدى النحل الوثنية القديمة الوارد ذكرها في القرآن الكريم، يقولون بخالقين: خالق الخير وهو النور، وخالق الشر وهو الظلمة، وكانوا يعبدون النار، وقد عدهم بعض العلماء من أهل الكتاب، والصحيح أنهم ليسوا أهل كتاب.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 233)، اعتفادات فرق المسلمين والمشركين (ص 134)، التبصير في الدين (ص 126)، البرهان في عقائد أهل الأديان (ص 90).
(4)
الزواجر (1/ 166).
(5)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 677)، إغاثة اللهفان (1/ 188)، زاد المعاد لابن القيم (1/ 525)، الدرر السنية (5/ 104، 125)، تيسير العزيز الحميد (ص 347)، فتح المجيد (1/ 420 - 421).
زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج"
(1)
.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "قرن في اللعن بين متخذي المساجد عليها وموقدي السرج عليها، فهما في اللعنة قرينان، وفي ارتكاب الكبيرة صنوان، فإن كل ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الكبائر، ومعلوم إن إيقاد السرج عليها إنما لعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها، وجعلها نُصُبًا يُوفِضُ إليه المشركون كما هو الواقع
…
"
(2)
.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يحرم الإسراج على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وبينها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين"
(3)
.
وبناء على ما سبق فما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله من تحريم اتخاذ السرج على القبور وعده ذلك من الكبائر مما وافق فيه أهل السنة والجماعة، وأهل العلم المعروفين.
(1)
أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة النساء القبور (3/ 558) برقم (3236)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (1/ 657) برقم (2170)، وفي المجتبى، كتاب الجنائز، باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور (4/ 95 - 96) برقم (2043)، والترمذي، أبواب الصلوات، باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجد (1/ 352) برقم (320)، والطيالسي (4/ 454) برقم (2856)، وابن أبي شيبة (3/ 344)، وأحمد (3/ 471)، برقم (2030)، (4/ 363) برقم (2603)، (5/ 128)، برقم (2984)، وابن حبان (7/ 452 - 454)، برقم (3179، 3180)، والطبراني في الكبير (12/ 148) برقم (12725)، والحاكم (1/ 374)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 78)، والبغوي في شرح السنة (2/ 416 - 417) برقم (510) من طرق عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
وقد اختلف المحدثون في تعيين أبي صالح أهو باذان أو مهران، وجمهورهم على الأول كما في التلخيص الحبير (2/ 145).
يقول الحاكم: "أبو صالح هذا ليس بالسمان المحتج به، إنما هو باذان، ولم يحتج به الشيخان، لكنه حديث متداول بين الأئمة
…
".
وقد حسن الحديث الترمذي، والبغوي، وشيخ الإسلام في الفتاوى (24/ 350)، وابن القيم في تهذيب السنن (4/ 347)، والسيوطي في الأمر بالاتباع (ص 129 - 130)، وأحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي (2/ 137).
(2)
إغاثة اللهفان (1/ 188).
(3)
الاختيارات العلمية (ص 52).