الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث موقفه مما يُنافي توحيد الألوهية أو يقدح فيه
تحدث ابن حجر رحمه الله عن كثير من الأعمال والأقوال التي تنافي توحيد الألوهية أو تقدح فيه، وبيّن رأيه فيها، ويمكن تقسيم ما ذكره منها إلى قسمين:
الأول: ما ينافي توحيد الألوهية أو يقدح فيه من الأعمال:
1 - الذبح لغير الله أو بغير اسمه:
يرى ابن حجر تحريم الذبح لغير الله والذبح على غير اسمه، يقول في ذلك: "وجعل أصحابنا مما يحرم الذبيحة أن يقول: باسم الله واسم محمد، أو محمد رسول الله بجر اسم الثاني، أو محمد إذا عرف النحو فيما يظهر، أو أن يذبح كتابيّ لكنيسة أو لصليب أو لموسى أو لعيسى، ومسلم للكعبة أو لمحمد صلى الله عليه وسلم أو تقربًا لسلطان أو غيره أو للجن، فهذا كله يحرم المذبوح وهو كبيرة
…
بخلاف ما لو قصد الفرح بقدومه، أو شكر الله عليه، أو قصد إرضاء ساخط، أو التقرب إلى الله ليدفع عنه شر الجن"
(1)
.
وذكر أن ذلك كله مما فُسِّرَ به قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] حيث قال: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وما ذبح للطواغيت والأصنام قاله جمع، وقال آخرون: يعني ما ذكر عليه غير اسم الله"
(2)
.
وظاهر كلامه يوحي بأنه يفرق بين ما كان بقصد التعظيم بالعبادة
(1)
الزواجر (1/ 211)، وانظر:(1/ 210 - 211، 217 - 218)، والدر المنضود (ص 187)، فتح الجواد (2/ 354)، تحفة المحتاج (4/ 242).
(2)
الزواجر (1/ 217).
فيكون حينئذ كفرًا مخرجًا من الملة، وبين ما كان بقصد التعظيم الذي هو دون التعظيم بالعبادة فيكون حينئذ أمرًا محرمًا وكبيرة لا تخرج من الملة.
حيث عد من الكبائر "الذبح باسم غير الله على وجه لا يكفر به بأن لم يقصد تعظيم المذبوح له كنحو التعظيم بالعبادة والسجود"
(1)
.
التقويم:
الذبح لغة: مصدر ذبح يذبح ذبحًا.
يقول ابن فارس: "الذال والباء والحاء أصل واحد، وهو يدل على الشق، فالذبح مصدر ذبحت الشاة ذبحًا"
(2)
.
واصطلاحًا: قتل حيوان، مقدور عليه، مباح أكله، بقطع الحلقوم أو المريء
(3)
.
وهو ضربان:
الأول: عبادة: وهو ما كان بقصد التقرب.
والثاني: عادة: وهو ما كان بقصد اللحم.
والذبح الذي يقصد به التقرب من أنواع العبادة التي يجب صرفها لله، ويحرم صرفها لغيره
(4)
.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162، 163].
وقال سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: 2].
(1)
الزواجر (1/ 210)، وانظر: فتح الجواد (2/ 354)، تحفة المحتاج (4/ 242).
(2)
معجم مقاييس اللغة (ص 392)، وانظر: تهذيب اللغة (2/ 1266)، الصحاح (1/ 362)، لسان العرب، القاموس المحيط (ص 278).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 41)، مغني المحتاج (4/ 265)، كشاف القناع (3/ 201).
(4)
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 563)، مجموع الفتاوى (16/ 531)، تفسير ابن كثير (2/ 222)، تطهير الاعتقاد للصنعاني (ص 33)، تيسير العزيز الحميد (ص 187)، فتح المجيد (1/ 265)، الدين الخالص (2/ 251).
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته ونسكه على اسمه وحده لا شريك له.
وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} أي: أخلص له صلاتك وذبحك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى"
(1)
.
ولهذا وردت السنة بلعن من ذبح لغير الله والتغليظ عليه.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله"
(2)
.
وقد أجمع أهل العلم على تحريم ذبيحة من ذبح لغير الله أو ذكر عليها غير اسمه، وأن ذلك كله داخل في قوله سبحانه:{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]، وقوله عز وجل:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]
(3)
.
ومما تقدم يتبيّن صحة ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله من تحريم الذبح لغير الله أو على غير اسمه، وأن ذلك مما يحرم الذبيحة.
وأما ما يوحي به ظاهر كلامه من التفريق بين الذبِح لغير الله بقصد التعظيم بالعبادة وبين ما هو دون ذلك، وكون الأول كفرًا مخرجًا من الملة دون الثاني، فهو متعقب بما يلي:
1 -
أن الذبح لمعظم والاستعانة بذكر اسمه لا يمكن أن يقعا إلا بقصد التعظيم بالعبادة؛ إذ لا معنى لهما غيره، فلو لم يكن يعظمه تعظيم عبادة وخوف ورجاء ومحبة لِمَا ذبح له أو استعان بذكر اسمه، فلا يتخيل في الذبح والاستعانة تعظيم لا يكون عبادة
(4)
.
(1)
تفسير ابن كثير (2/ 222).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله ولعن فاعله (3/ 1567) برقم (1978) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.
(3)
انظر: تفسير ابن جرير (2/ 89).
(4)
انظر: تطهير الاعتقاد (ص 33)، شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني (ص 20).