الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستحسان الذي لا يستند إلى دليل شرعي، ومن مشهور قوله:"من استحسن فقد شرع"
(1)
، ومما سطره في رسالته قوله: "ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال
…
ولا يقول بما استحسن؛ فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سابق"
(2)
.
ب - أن المراد بالبدعة في قول الإمام الشافعي رحمه الله المتقدم البدعة بمعناها اللغوي لا بمعناها الشرعي، ويدل لذلك سياقه لقول عمر رضي الله عنه المتقدم.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "مراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه قبل، أن أصل البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه، وهي البدعة في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة يعني: ما كان لها أصل من السنة ترجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعًا لموافقتها السنة"
(3)
.
ثانيهما: النقض:
بما تقدم من الأدلة الدالة على أن البدعة كلها سيئة، وقد جاءت على كثرتها مطلقة ولم يستثن منها شيء
(4)
.
ثالثًا: حكم البدعة:
يرى ابن حجر - غفر الله له - أن البدعة تجري فيها الأحكام التكليفية الخمسة، حيث قال:
"البدعة منقسمة إلى الأحكام الخمسة؛ لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخل عن واحد من تلك الأحكام.
فمن البدع الواجبة على الكفاية: الاشتغال بالعلوم العربية المتوقف عليها فهم الكتاب والسنة
…
وبالجرح والتعديل وتمييز صحيح الأحاديث
(1)
نقله عنه الشاطبي في الاعتصام (2/ 137).
(2)
الرسالة (ص 25)، وانظر:(ص 504، 507، 508).
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 131).
(4)
انطر: مجموع الفتاوى (10/ 370)، اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 588)، الاعتصام (1/ 141 - 142).
من سقيمها، وتدوين نحو الفقه وأصوله وآلاته، والرد على نحو القدرية والجبرية والمرجئة
…
لأن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين كما دلت عليه القواعد الشرعية ولا يتأتى حفظها إلا بذلك، ولأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب.
ومن البدع المحرمة: مذاهب سائر أهل البدع المخالفة لِمَا عليه أهل السنة والجماعة.
ومن المندوبة: إحداث نحو الربط، والمدارس، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول
…
ومن البدع المكروهة: زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف.
ومن المباحة: التوسع في لذيذ المآكل والمشارب والملابس"
(1)
.
التقويم:
القول بأن البدعة مما تجري فيه الأحكام التكليفية الخمسة من الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة، والإباحة قول حادث، وأول من عرف عنه القول به العز بن عبد السلام
(2)
، وتبعه عليه القرافي
(3)
- غفر الله لهما - وتلقفه عنهما بعض فقهاء المذاهب المتأخرين
(4)
، ومن هؤلاء ابن حجر - عفا الله عنه -.
وهو قول باطل، والرد عليه من طريقين:
أحدهما: النقض: وذلك بأن يقال:
أولًا: أن متعلق البدعة يقتضي القول ببطلان هذا التقسيم؛ لأنها من باب مضادة الشارع وإطراح الشرع، وما كان بهذه المثابة، فلا يصح أن ينقسم إلى هذه القسمة وتجري فيه الأحكام التكليفية الخمسة
(5)
.
(1)
فتح المبين (ص 221 - 222)، وانظر: الفتاوى الحديثية (ص 203).
(2)
انظر: قواعد الأحكام (2/ 172 - 174)، وفتاواه (ص 116).
(3)
انظر: الفروق (4/ 202).
(4)
انظر: قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي (ص 19)، المنثور في القواعد للزركشي (1/ 218)، الحاوي للسيوطي (1/ 192، 348).
(5)
انظر: الدين الخالص (3/ 23 - 25).
ثانيًا: "أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي، لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة، لَمَا كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلًا في عمومٍ الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين عد تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين.
أما المكروه والمحرم منها فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى؛ إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة لإمكان أن يكون معصية كالقتل، والسرقة، وشرب الخمر، ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم"
(1)
.
ثالثًا: أن جميع الأمثلة التي مثل بها ابن حجر - غفر الله له - لا تصح دليلًا على التقسيم المذكور، سوى مثاله للبدع المحرمة.
"أما قسم الواجب: فجميع ما ذكر فيه من أمثلة من قبيل المصالح المرسلة
(2)
لا من قبيل البدعة المحدثة، والمصالح المرسلة قد عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم، فهي من الأصول الفقهية الثابتة عند أهل الأصول وإن كان فيها خلاف بينهم، ولكن لا يُعد ذلك قدحًا على ما نحن فيه
…
وأما قسم المندوب: فليس من البدع بحال، ويتبين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثل لها
…
وأما القسم المباح: فليست في الحقيقة من البدع، بل هي من باب التنعم، ولا يقال فيمن تنعم بمباح إنه قد ابتدع
…
(1)
الاعتصام (1/ 191).
(2)
المراد بالمصالح المرسلة: "كل منفعة داخلة في مقاصد الشارع الكلية دون أن يكون لها شاهد جزئي بالاعتبار أو الإلغاء".
انظر: المحصول (1/ 218)، المستصفى (1/ 284)، الاعتصام (2/ 114)، المصالح المرسلة للشنقيطي (ص 9 - 10)، وللاستزادة: البدعة والمصالح المرسلة للدكتور توفيق الواعي (ص 241) وما بعدها.